ومنها القول بالموجب، قال ابن أبي الإصبع: وحقيقته ردّ كلام الْخصم من
فحوى كلامه.
وقال غيره: هو قسمان:
أحدهما: أن تقع صفةٌ في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حُكم، فيثبتها
لغير ذلك الشيء، كقوله تعالى: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) .
فالأعزّ وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم، والأذل كناية عن فريق المؤمنين، وأثبت المنافقون لفريقهم إخراجَ المؤمنين من المدينة، فأثبت الله في الرد عليهم صفةَ العزة لغير فريقهم، وهو اللَّهُ ورسوله والمؤمنون، وكأنه قيل: صحيح ذلك ليخرجنَّ الأعز منها الأذل، لكن هم الأذل المخْرَج، والله ورسوله الأعز المُخْرِج.
والثاني: حَمْل لفظٍ واقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله، بذكد
متعلَّقه، ولم أر مَنْ أورد له مثالاً من القرآن.
وقد ظفرت بآية منه، وهي قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) .
ومنها التسليم، وهو أن يفرض الْمُحال إما منفيًّا أو مشروطاً بحرف
الامتناع، ليكون المذكور ممتنعَ الوقوع لامتناع وقوع شرطه، ثم يسلَّم وقوع ذلك تسليما جَدَلياً، ويدل على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه، كقوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) .
المعنى ليس مع الله من إله، ولو سلِّم أن مع الله إلهاً لزم من ذلك التسليم ذهاب كل إله من الاثنين بما خلق، وعلوّ بعضهم على بعض، فلا يتم في العالم أمر، ولا ينفذ حكم، ولا تنتظم أحواله.
والواقع خلاف ذلك، ففَرض إلهين فصاعداً محال، لا يلزم عليه من المحال.
ومنها الإسْجَال، وهو الإتيان بألفاظ تسجِّل على المخاطب وقوعَ ما خوطب
به، نحو قوله تعالى: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ) .