ثانيها: قياس الإعادة على خلق السماوات والأرض بطريق الأولى، قال:
(أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر) .
ثالثها: قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات.
رابعها: قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر.
وقد روى الحاكم وغيره أن أبي بن خلف جاء بعَظْمٍ ففَتَّه، فقال: أَفَيحِيي اللهُ
هذا بعد ما بليَ ورَمَّ، فأنزل الله: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) .
فاستدل سبحانه بردِّ النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث.
ثم زاد في الحجاج بقوله: (الذي جعل لكم من الشّجَر الأخضر ناراً) .
وهذه في غاية البيان في رد الشيء إلى نظيره، والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليها.
خامسها: في قوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) .
وتقريرها أن اختلاف المختلفين في الحق لا يوجب انقلابَ الحق في نفسه، وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه، والحقُّ في نفسه واحد، فلما ثبت أن ها هنا حقيقة موجودة لا محالة، وكان لا سبيل لنا في حياتنا إلى الوقوف عليها وقوفاً يوجب الائتلاف ويرفع عنا الاختلاف، إذ كان
الاختلاف مركوزا في فِطَرِنا، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه
الجِبِلّة، ونقلها إلى صورة غيرها - صح ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه
الحياة، فيها يرتفع الاختلاف والعناد، وهذه هي الحالة التي وعد الله بالمصير
إليها، فقال: (ونَزَعْنَا ما في صدورِهم مِنْ غِلّ إخوانا) .
فقد صار الخلاف الموجود، كما ترى، أوضح دليل على كَوْن البعث الذي ينكره المنكرون، كذا قرره ابن السيّد.
ومن ذلك الاستدلال على أنَّ صانع العالم واحد، بدلالة التمانع المشار إليها في قوله: (لو كان فيهما آلهة إلاَّ الله لفَسَدَتا) .
لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على إحكام، ولكان