هي خلوص ألفاظ الهجاء من الفحْش حتى يكون - كما قال أبو عمرو بن
العلاء - وقد سئل عن أحسن الهجاء: هو الذي إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح عليها.
ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) .
ثم قال: (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) .
فإن ألفاظ ذم هؤلاء الخْبَر عنهم بهذا الخبر أتت منزهة عما يقع في الهجاء من
الفحش.
وسائر هجاء القرآن كذلك.
بالباء الموحَّدة: وهو أن يشتمل الكلام على عدة ضروب من البديع.
قال ابن أبي الإصبع: ولم أر في الكلام مثل قوله تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) .
فإن فيها عشرين ضرباً، وهي سبع عشرة لفظة، وذلك للمناسبة التامة في (ابلعي) و (أقلعي) ، والاستعارة فيهما، والطباق بين الأرض والسماء، والمجاز في قوله: (يَا سَمَاءُ) ، فإن الحقيقة يا مطر السماء، والإشارة في: وغيض الماء، فإنه عبر به عن معان كثيرة، لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء، فينقص الحاصل على وَجْه الأرض من الماء.
والإرداف في: (واستوت) ، والتمثيل في: (وقضي الأمر) .
والتعليل، فإنَّ (غِيضَ الْمَاءُ) عِلّة الاستواء.
وصحة التقسيم، فإنه استوعب فيه أقسام الماء حالة نقصه، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء، والماء النابع من الأرض، وغَيْض الماء الذي على ظهرها.
والاحتراس في الدعاء لئلا يتوهَّم أن الغرق لعمومه شمل مَن لا يستحق الهلاك، فإنَ عَدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق.
وحسن النسق، وائتلاف اللفظ مع المعنى.
والإيجاز، فإنه تعالى قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة.
والتسهيم، لأن أول الآية يدل على آخرها.
والتهذيب، لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن، كل لفظة سهلة مخارج