والثاني الاستيلاء والملك، وهذا المعنى البعيد المقصود الذي ورّى عنه
بالقريب المذكور. انتهى.
وهذه التورية تسمى مجردة، لأنها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورَّى به ولا
المورَّى عنه.
ومنها ما تسمى مرشَّحة، وهي التي ذُكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا.
كقوله تعالى: (والسماء بَنَيْنَاها بأيْدٍ) ، فإنه يحتمل الجارحة
وهو المورَّى به، وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البُنْيان.
ويحتمل القدرة والقوة، وهو البعيد المقصود.
وقال ابن أبي الإصبع في كتابه الإعجاز: ومنها: (قالوا تاللهِ إنَّكَ لفي
ضَلاَلِكَ القديم) .
فالضلال يحتمل الحب وضد الهدى، فاستعمله
أولادُ يعقوب ضد الهدى تورية عن الحب.
(فاليَوْمَ ننَجِّيك بِبَدَنِكَ) .
على تفسيره بالدرع، فإن البدن يطلق عليه وعلى الجسد، والمراد
البعيد وهو الجسد، قال: ومن ذلك قوله تعالى - بعد ذكر أهل الكتاب من
اليهود والنصارى حيث قال: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) .
ولما كان الخطاب لموسى من الجانب الغربي، وتوجهت إليه اليهود، وتوجهت
النصارى إلى المشرق كانت قبلةُ الإسلام وسطاً بين القبلتين، قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) ، أي خياراً، فظاهر اللفظ
يوهم التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين - صدق على لفظة " وسط " ها هنا أن يسمي تعالى به لاحتمالها المعنيين.
ولما كان المراد أبعدهما - وهو الخيار - صلحت أن تكون من أمثلة التورية.
قلت: وهي مرشحة بلازم الموري عنه، وهو قوله: (لتكونوا شهداءَ على
الناس) ، فإنه من لوازم كونهم خِيَاراً، أى عدولا، والإتيان قبله من قسم
المجردة.