(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) .
فرجع ومحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض، وما هو من كلام البشر.
وكان أفصح أهل وقته.
وكان يحيى بن حكيم الغزال بليغَ الأندلس في زمنه، فحكي أنه رام شيئاً من
هذا، فنظر في سورة الإخلاص، ليحذو على مثالها وينسج - بزعمه - على منوالها، قال: فاعترتني خشيةٌ ورقَّة حملتني على التوبة والأوبة.
وحكي عن بعضهم أنه كان إذا أخذ المصحف بيده يغشى عليه من هيبته.
*******
فلا تزيده تلاوته إلا حلاوة، ولا ترديده إلا محبة، ولا يزال غضًّا طريًّا، وغيره من الكلام - ولو بلغ في الحسن والبلاغة مبلغه - يمَلّ مع الترديد، ويعادى إذا أعيد، لأن إعادة الحديث على القلب أثقل من الحديد، وكتابنا بحمد الله يستلذّ به في الخلوات، ويؤنس به في الأزمات، وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك، حتى أحدث لها أصحابها لحوناً وطربا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها، ولهذا وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن بأنه لا يَخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عبره، ولا تَفْنَى عجائبه، ليس بالهزل، لا يشبع منه العلماء، ولا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، هو الذي لم تنْتَه الجن حين سمعته أن قالوا:
(إنّا سمعْنَا قرآناً عَجَباً يَهْدِي إلى الرشْدِ فآمَنّا به) .
مَنْ قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن قسم به أقسط، ومن عمل به أجِر، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله، ومن حكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، وحَبْل الله المتين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، ولا يعوج فيقوَّم، ولا يزيغ فيستعتب.