ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقُبْحها وألمها، ويذكّر عباده فقرهم إليه، ولشدة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكرهم غناه عنهم وعن جميع الموجودات، وأنه الغنيّ بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه بنفسه، وأنه لا ينال أحد ذرةً من الخير فما فوقها إلا بعدله وحكمته، ونشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب، وأنه مع ذلك يقيل عثراتهم، ويغفر زَلّاتهم، ويقبل أعذارهم، ويصلح فسادهم. والمدافع عنهم، والمحامي عنهم، والناصر لهم، والكفيل بمصالحهم، والمنجي لهم من كل كرب، والموفي لهم بوعده، وأنه وليُّهم الذي لا ولي سواه، فهو مولاهم الحق. وينصرهم على عدوهم، فنعم المولى ونعم النصير.
وإذا شهدت القلوب من القرآن مَلِكاً عظيما رحيما جليلاً هذا شأنه، فكيف لا تحبه، وتنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودد إليه، ويكون أحب إليها من كل ما سواه، ورضاه أشهى عندها من رضا كل مَنْ سواه، وكيف لا تلهج بذكره، وتصيِّر حُبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها، وقوتها ودواؤها، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بهياكلها.
*******
وما لم يكن وما لم يقع فوجد كما ورد على الوجه الذي أخبر، كقوله:
(لَتَدْخُلُنَّ المسجِدَ الحرامَ إنْ شاء اللهُ آمِنين) .
وقوله: (وهم من بَعْدِ غَلَبِهم سيَغْلِبُون في بِضْعِ سنين) .
وقوله: (ليُظْهرَهُ على الدِّين كله) .
وقوله: (وعَدَ اللَّهُ الذين آمنوا منكم وعمِلُوا الصالحات) .
وقوله: (إذا جاء نَصْرُ اللَهِ والفَتْح) .
الخ، فكان جميع هذا كما قال، فَغلبت الروم فارس في بضع سنين، ودخل الناسُ في الإسلام أفواجاً، فما مات عليه السلام وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله