الثالث: العام المخصوص، وللناس بينهما فروق:
منها: أن الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد، لا من جهة تناول اللفظ، ولا
من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها.
والثاني أريد عمومه وشمولُه لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها، لا من جهة الحكم.
ومنها أن الأول مجاز قطعاً لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي، بخلاف الثاني.
فإن فيه مذاهب أصحها أنه حقيقة، وعليه أكثر الشافعية وكثير من الحنفية وجميع الحنابلة، ونقَله إمام الحرمين عن جميع الفقهاء.
وقال الشيخ أبو حامد: إنه مذهب الشافعي وأصحابه، وصححه السبكي.
لأن تناول اللفظ للبعض الباقي بعد التخصيص كتناوله بلا تخصيص، وذلك
التناول حقيقي اتفاقاً، فليكن هذا التناول حقيقياً أيضاً.
ومنها أن قرينة الأول عقلية، والثاني لفظية.
ومنها أن قرينة الأول لا تنفك عنه، وقرينة الثاني تنفك عنه.
ومنها أن الأول يصح أن يراد به واحد اتفاقاً، وفي الثاني خلاف.
ومن أمثلة العام المراد به الخصوص قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا) .
والقائل واحد نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزَاعة، كما أخرج ابن مردويه من حديث أبي رافع، لقيامه مقام كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة أبي سفيان.
قال الفارسي: ومما يقوي أن المراد به واحد: (إنّها ذَلِكم الشيطانُ) .
فوقعت الإشارة بقوله: (ذلكم) إلى واحد بعينه، ولو كان
المعنيُّ به جمعا لقال: إنما أولئكم الشيطان، فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ.
ومنها قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) .
أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة.