وفي: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) .

أخرت الصلة في الشهادة الأولى، وقدمت في الثانية، لأن الغرض في

الأولى إثبات شهادتهم، وفي الثانية إثبات اختصاصهم بشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم.

وخالف في ذلك ابنُ الحاجب، فقال في شرح المفصّل: الاختصاص الذي

يتوهّمه كثير من الناس من تقديم المعمول وَهْم، واستدل على ذلك بقوله:

(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) .

(بل الله فاعْبد) . الزمر: 66.

ورد هذا الاستدلال بأن (مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) أغنى عن إعادة الحصر، كما قال

الله تعالى: (واعْبدوا رَبَّكم) .

وقال: (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)

بل قوله: (بل اللهَ فاعْبُدْ) - أقوى من أدلة الاختصاص.

فإن قبلها: (لئن أشركتَ ليَحْبَطَن عَملك) ، فلو لم يكن للاختصاص وكان معناها أعبد الله لما حصل الإضراب الذي هو معنى بل.

واعترض أبو حيان على مدعي الاختصاص بنحو: (أفَغيرَ اللهِ تأمرونّي

أعْبُد) .

وأجيب بأنه لما كان مَنْ أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله كان أمْرُهم

بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة.

ورد صاحب الفلك الدائر الاختصاص بقوله: (كُلاًّ هَدْينَا ونُوحاً هدَينَا

مِنْ قَبْلُ) .

وهو من أقوى ما ردّ به.

وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم، بل الغلبة، وقد يخرج الشيء عن الغالب.

قال الشيخ بهاء الدين: وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة، وهي

(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) ، فإن التقديم في الأولى قطعا ليس للاختصاص.

وفي إياه قطعاً للاختصاص.

وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الاقتصاص بين الحصر والاختصاص:

اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص، ومن الناس من ينكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015