سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء
الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، حتى قال: لو ضاع لي عِقَال بعير لوجدته في كتاب الله.
ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته، وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه، وعد كلماته وآياته وسوره، وأحزابه، وأنصافه وأرباعه، وعدد سجداته، والتعليم عند كل عشر آيات، إلى غير ذلك، من حصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أودع فيه، فسمّوا القراء.
واعتنى النحاةُ بالمعرب منه والمبنيِّ من الأسماء والأفعال، والحروف العاملة
وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها، وضروب الأفعال واللازم
والمتعدي، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما تعلق به، حتى إن بعضهم أعرب
مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.
واعتنى المفسرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظاً يدل على معنى واحد، ولفظا
يدل على معنيين، ولفظاً يدل على أكثر، فأجروا الأول على حُكمه، وأوضحوا معنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كلّ فكره، وقال بمقتضى نظره.
واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية، والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) .
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده، وقِدَمه، وبقائه، وقدرته وعلمه، وتنزهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأصول الدين.
وتأملت طائفة منهم معاني خطابه، فرأت منها ما يقتضي العموم، ومنها ما