فقال الله له: أمرًا أحدثته بين أولادك، فمَنْ كان عليه حق أنكره، فلذلك
أمره الله بالإشهاد، فقال: (واستَشْهدوا شهيْدَيْنِ مِنْ رِجالكم) .
ولذلك وَكل على كل أحَدٍ من الآدميين مَلَكين شاهدين حتى لا يجدَ
إلى الإنكار سبيلاً.
فانطرْ هذا التَّأنيسَ العظيم لأمة هذا النبي الكريم.
وقيل: إنه كان نور المصطفى في وَجْه آدم ينظر إليه، فقال: يا رب، هل بقي في ظهري من هذا النور شيء، قال: نور أصحابه.
قال: يا رب، اجعله في بقية أصابعي، فجعل نور أبي بكر في الوسْطى، ونور عمر في البنصر، ونور عثمان في الخنصر، ونور عليٍّ في الإبهام (?) ، فكان آدم، - صلى الله عليه وسلم -، ينظر إلى تلك الأنوار ويعجبُ منها إلى أن أهْبَطه الله من الجنة، ومارَسَ أعمالَ الدنيا، فعادت الأنوارُ إلى ظهره.
وأنْتَ يا عاصي، تمَارِسُ المعاصي والفواحش، ولا تخاف مِنْ زوال نورِ
الإيمان من قَلْبك! ألم تسمع إلى قول ربك: (كلا بَلْ رَانَ على قلوبهم ما كانوا
يكْسِبون) .
فإن قلت: ما بال آدم لم يرد الرجوع إلى الجنة، بل رجع فيما وهب لداود.
وكان قد بكى عليه بعد خروجه منها حتى لو أجْرِيت السفن في دموعه لجرت؟
والجواب أن آدم عليه السلام لما ذاق حلاوةَ النعمة في الجنة بكى على فِرَاقها، فلما خرج إلى الدنيا وكلفه الله فيها بالعبادة، لأنها محلُّ تكليف، وذاق حلاوته، اختار ما فيه رضَا الله على حظ النفس.
وقيل: كَرِه الخروجَ من الجنة لطلب الراحة وخوف الموت، لأنَّ الله أخبره أنه لا موت فيها، ولما خرج إلى الدنيا، وعلم بمرارة الموت فيها لم يرِد الخروجَ منها، فإذا أبو بكر المطهر من الذنوب يخاف من هذه الأهوال، فكيف بكَ أيها الغريق لا تخاف من الفراق، وقَطْع حَبْل التلاق.