(سعى) يسعى: له ثلاثة معان، عمل عملاً، ومنه: (وأن ليس للإنسان
إلاّ ما سعى) .
ومشى، ومنه: (فاسعَوْا إلى ذِكْر الله) .
وأسرع في مشيه، ومنه: (وجاء رجلٌ من أقْصَا المدينة يسْعَى) .
فإن قلت: ما وَجْه تقديم الرجل في هذه الآية وتأخيره في آية يس؟
والجواب إنما أخره في يس لأوجه، منها: أنه كان يعبد الله في جَبَل، فلما
أسمع خبر الرجل سعى مستعجلا.
وقيل: حيث قدّم الظرف على رجل أراد أن ينبه أن الرجل من المدينة
نَفْسها، وحيث أخَّر الظرف لم يرد أن يُنَبّه على المعنى المذكور.
وقيل: لما كانت مقالة الرجل في سورة يس تقتضي الإِرشادَ أخر ذكْرَه ليكون موالياً لإسناد قوله إليه، وليعلم القائل أنَّ مقالته تقتضي الإنذار قدم ذكره وفصَل بينه وبين مقالته ليبعد إسنادها إليه، إذ المقالة تقتضي الإخفاء، وهو أيضاً كذلك، فكان بعد إسناد المقالة إليه فيه ضربٌ من إخفائه.
وقيل غير هذا من الوجوه حذفناه لطوله
(سَوْءَةَ أخيه) ، أي عورته، وخصها بالذكر لأنها أحق
بالستر من سائر البدن، والضميرُ في (أخيه) عائد على ابن آدم، وأما قوله:
(فبَدَتْ لهما سَوْءاتُهما) ، فقد قدمنا أنه زال عنهما اللباسُ الذي
كان عليهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر.
(سَمَّاعونَ للكذبِ سَمَّاعُون لقوم آخَرِين) ، أي لقوم
آخرين من اليهود الذين لا يأتُون النبي - صلى الله عليه وسلم - لإفراط البغْضَةْ والمهاجرة.
فإن قلت: ما فائدة تكرير هذا السماع هنا؟
فالجواب أنه إن كان سمّاعون الأول استنئاف إخبار عن المنافقين والذين
هادُوا فيكون الثاني في اليهود خاصة، وإن كان من الذين هادوا استئنافاً منقطعاً