لقوِله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) - وفيه نظر، لأن الخبر لا
يدخله نسخ.
والظاهر أن: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ) - يقتضي الوعيد.
وتقديِره: وما يملكهم، أو ما يدْرِيهم، ونحو هذا من الأفعال التي توجب أن
تكونَ (أن) في موضع نصب.
وقال الطبري: تقديره: وما يمنعهم أن يعذبوا.
قال ابن عطية: والظاهر في قوله: (وما) أنها استفهام على جهة التقرير
والتوبيخ والسؤال، وهذا أفصح في القول، وأقطع في الحجة.
والمعنى: وأيّ شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم وهم معذّبون لا محالة، وكيف لا يعذبون وحالُهم أنهم يصدّون عن المسجد الحرام جَوْراً وتعدِّياً عامَ الحديبية، وإخراجهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصدّ.
(قد) :
حرف يختص بالفعل المتصرف الْخَبَريّ المثبت المجرَّد من ناصب
وجازم.
وحرف تنفيس ماضياً أو مضارعاً.
ولها معان:
التحقيق مع الماضي، نحو: (قد أفْلَح المؤمنون) .
(قد أْفلح من زَكَّاها) ، وهي في الجملة الفعلية المجابِ بها القسم.
مثل إن واللام في الاسمية المجاب بها في إفادة التوكيد والتقريب مع الماضي
أيضا، تقربه من الحال، تقول: قام زيد، فيحتمل الماضي القريب والماضي
البعيد.
فإن قلت: قد قام، اختص بالقريب.
قال النحاة: وانبنى على إفادتها ذلك أحكام، منها: مَنْع دخولها على ليس.
وعسى، ونِعْم، وبئس، لأنهن للحال، فلا معنى لذِكْرِ ما يقرّب ما هو حاصل، ولأنهن لا يفِدْن الزمان.
ومنها وجوب دخولها على الماضي الواقع حالا، إما ظاهرة، نحو: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) .
أو مقدرة، نحو: (هذه بضاعتنا رُدَّتْ إلينا) .
(أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) .
وخالف في ذلك الكوفيون والأخفش، فقالوا: لا يحتاج إلى ذلك لكثرة وقوعه حالا بدون قد.