وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر.
وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم خصوصاً أهل السنة فذهبوا إلى الثاني، وهو أصح الروايات عن ابن عباس.
قال ابن السمعاني: لم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة.
واختاره الغنيمي.
قال: وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة، لكنه سقط في هذه المسألة.
قال: ولا غَرْو فإن لكل جَوَاد كبوة، ولكل عالم هفوة.
قلت: ويدلّ لصحة مذهب الأكثرين ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره
والحاكم في مستدركه عن ابن عباس - أنه كان يقرأ: وما يعلم تأويله إلا
الله.
ويقول الراسخون في العلم آمنّا به، فهذا يدل على أن الواو للاستئناف، لأن هذه الرواية وإن لم تثبتْ بها القراءة فأقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن، فيقدم كلامه في ذلك على مَنْ دونه.
ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متّبِعي المتشابه، ووصفهم بالزَّيْغِ وابتغاء
الفتنة، وعلى مدح الذين فوّضوا العلم إلى الله وسلموا إليه، كما مدح الله المؤمنين بالغيب.
وحكى الفَرَّاء أن في قراءة أبي بن كعب أيضاً: ويقول الراسخون.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش، قال في قراءة ابن
مسعود: وإنْ تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به.
وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: (هو الذي أنزل عليكَ الكتاب ... إلى قوله: (أولو الألباب) ، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّى الله فاحذرهم.
وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا أخاف على أمَّتي إلاّ ثلاث خِلاَل: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيَقْتَتِلوا.
وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله، وما يعلم تأويله إلا
الله ... الحديث.