فانظر كيف قال سبحانه {جعل كلمة الذين كفروا السفلى} ثم استأنف كلاما جديدا فقال {وكلمة الله هي العليا} فجاء بضمير الفصل مع الاستئناف، ولم يعطفها على كلمة الكفر، أي أن كلمة الله هي العليا بدون جعل جاعل، شأنها الارتفاع والعلو، وهي المرتفعة دوما بذاتها.
وهو - أي ضمير الفصل - يفيد توكيد معاني القصر المتعددة التي يدخل عليها فهو يفيد:
أ - توكيد القصر الحقيقي: فقد يكون الكلام دالا على القصر من دون ضمير الفصل فيأتي ضمير الفصل مؤكدا هذا المعنى قال تعالى: {إنه هو التواب الرحيم} [البقرة: 37]، فلو حذف الضمير لبقي معنى القصر، ولكنه جاء بالضمير توكيدا لهذا المعني، ومن ذلك قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} [البقرة: 121]، وقوله: {ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 56]، وقوله: {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} [المائدة: 117]، وقوله: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [النحل: 125] وقوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} [المؤمنون: 102]، {إن ربك هو القوي العزيز} [هود: 66].
ب - توكيد القصر الذي على جهة المبالغة: وذلك كأن تقول: زيد الشاعر فتقصر الشعر عليه مبالغة، كأن ما عداه ليس بشاعر، ثم تؤكد هذا المعنى فتقول: (زيد هو الشاعر) ـ، قال تعالى في المنافقين: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 12]، وقال فيهم أيضا: {إلا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون}، [البقرة: 13]، ومن المعلوم أن هناك مفسدين آخرين، وهناك سفهاء آخرين، قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5]، ولكنه قصر الأفساد والسفه عليهم مبالغة على معنى أنهم أولى من يسمى هذا الاسم، أو على أنهم كاملون في هاتين الصفتين.