في هذا أنهم عُذَبُوا عَلى هذا الظن، لأنهم اتبعوا أهْواءَهم وتركوا التماس
البصيرة من حيث يجب واقتصروا على الظن والجهل.
* * *
وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
موضعا مَنْ " رفع بالابتداءِ، ولفظها. لفظ الاستفهام.
المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يَضِل عن سبيله، وهذا مثل قوله:
(لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)
معناه كلوا مما أخْلَصْتم ذبحه للَّهِ، والمنْعُ من الميْتَةِ دَاخِل في هذا.
وليس بين الناس اختلاف في أن المشركين ناظروا المسلمين، فقالوا لهم:
تتركون ما سبقكم الله إلى إماتَتِه وتأكلون ما أمَتُّم أنْتمْ فأعلم جلَّ وعزَّْ أن الميتةَ حرام وأن ما قصِدَ بتَزكِيته اتَبَاعُ أمْرِ اللَّه عزَّ وجلَّ فذلك الحَلال.
فقال: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)
وَمَوْضِغ (أنْ) نَصْبٌ لأن " في " سقطت فَوَصَل المَعْنَى إلى (أنْ) فَنَصَبَها.
المعنى أي شيءٍ يقع لكم في أن لا تأكلوا.
وسيبويه يجيز أنْ يكونَ موضع (أنْ) جرا وإِن سَقَطتَ " في "، والنصْب عنده
أجود. -
قال أبو إسحاق: ولا اختلافَ بين الناسِ في أن الموضع نصْبٌ.
(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ).
وحُرمَ جميعاً، أي فصل لكم الحلالَ مِن الحرامِ، وأحَلَّ لكمْ في
الاضطرار ما حَرَّمَ عليكم.