(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
(يَفْتَح) في موضع جزم على معنى الشرط والجزاء، وجواب الجزاء
(فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)، ولو كان فلا ممسك له لجاز لأن " ما " في لفظ
تذكيرا، ولكنه لَمَّا جَرَى ذكرُ الرحمة كان فلا ممسك لها أحسن، ألا
ترى إلى قوله: (وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ).
ومعنى ما يفتح الله أي ما يَأتيهِمْ بِهِ من مَطَرٍ ورِزقٍ فلا يقدر أَحَدٌ
أن يُمْسِكَه، وما يُمْسِكْ اللَّهُ من ذلك فلا يقدر قادرٌ أن يرسله.
ويجوز - ولا أعلم أحَداً قرأ به - " ما يفتحُ اللَّه للناس من رحمة وَما يُمْسِكُ "
برفعهما على معنى الذي يفتحه اللَّه للناس من رحمة فلا ممسك لها.
والذي يمسك فلا مرسل له، ويجوز " فلا مُمْسِكٌ لها " بالتنوين، وما
يمسك فَلَا مُرْسِلٌ له من بعده، وَلَا أعْلَمُ أَحَداً قرأ بها فلا تقرأنَّ بما لم
تثبت فيه رواية وإن جاء في العربية لأن القراءةَ سُنَّةٌ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
هذا ذكر بعد قوله: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)
فأكد ذلك بأن جعل السؤال لهم (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللَّهِ)
وقُرئت (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) بالرفع، على رفع غير.
المعنى هَلْ خَالِقٌ غير اللَّه لأن " مِن " مؤكدة، وقد قرئ بهما جميعاً، غَيْرُ وَغَيْرِ، وفيها وجه آخر يجوز في العربية نصب (غيرَ)
" هل مِنْ خالقٍ غَيرَ اللَّهِ يرزقكم "
ويكون النصب على الاستثناء، كأنَّه هل من خالق إلا اللَّهُ يرزقكم) (?).