وقوله: (لَتُنْذِرَ قَوْماً مَا أتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ)
وَمِثْلُهُ (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ).
و" ما " في جمع الموضعين نَفْيٌ، أي لم يشاهدُوا هُمْ ولا آباؤهم نبيًّا.
فأما الإنذار بما قدم من رسل اللَّه صلى اللَّه عليهم فعلى
آبائهم به الحجة، لأن اللَّه عزَّ وجلَّ لا يُعَذَبُ إلا من كفر بالرسُل.
والدليل على ذلك قوله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (?).
* * *
قوله: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
أعلم الله عزَّ وجلَّ أنه يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثم
يعرج الأمر إليه في يوم، وذلك اليوم مقداره ألفُ سَنَةٍ مما تعدُونَ.
ومعنى يَعْرُج ينزل ويَصْعَدُ يقال عَرَجْتُ في السِّلْمِ أَعْرُجُ، ويُقَالُ عَرِج
يَعْرَجُ إذَا صَار أَعْرَجَ.
* * *
وقوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ
(7)
وقد قرئ (خَلَقَهُ) بتحريك اللام وتسكينها جميعاً - ويجوز خَلْقهُ
بالرفع ولا أعلم أحداً قرأ بها.
فأمَّا (خَلَقَهُ) فعلى الفِعْلِ المَاضِي.
وتأويل الِإحْسَانِ في هذا أنه خَلَقَهُ على إرَادَتِه فخلق الإِنْسَانَ في أحسن
تَقْوِيمٍ، وخلق القِرْدَ على ما أحب - عزَّ وجلَّ - وخَلقُه إياهُ على ذلك
مِنْ أَبْلَغِ الحكمةِ
ومن قرأ (خَلْقَهُ) بتسكين اللام فعلى وَجْهَيْنِ:
أحدهما المَصدَرَ الذي دل عليه أَحْسَنَ، والمعنى الذي خلق كل شيء خلقه.
ويجوز أن يكون على البَدَلِ فيكون المعنى الذي أَحْسَنَ خلْقَ كُل شيء.
خَلَقَهُ، والرفعُ على إضمار: " ذَلِكَ خَلْقُه " (?).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طَينٍ).