وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
هذا احتجاج عليهم في قولهم: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ).
فقيل لهم: كذلك كان مَنْ خَلَا من الرسل يأكل الطعام ويمشي في
الأسواق، فكيف يكون محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - بدعاً من الرسُل. فأمَّا دخول " إِنَّهُمْ " بعد " إلا " فهو على تَأوِيلِ ما أَرْسَلْنَا رُسلاً إلا همْ يأكلون الطعام، وإلا أنهم لَيَأكلون الطعام، وحذِفَتْ زسًلاً لأن " من "
في قوله تعالى (مِنَ الْمُرْسَلِينَ) دليل على ما حذف منه، فأمَّا مثل اللامِ بعد " إلَّا " فَقَولُ الشَاعِر:
ما أَنطياني ولاَ سَاَلْتُهمَا. . . إلا وإني لَحاجز كرمي
يريد أعطياني، وزعم بعض النحويين أن " مَنْ " بعد إلا مَحْذُوفَة، كان
المعنى عِنْدَه إلا " مَنْ " ليأكلون الطعام.
وهذا خطأ بيَّنَ، لأنَّ " مَن " صِلَتها " أَنَّهم
ليأكون "، فلا يجوز حذف الموصول وتبقيةُ الصلَةِ (?).
* * *
وقوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً).
فيه قولان: قيل كان الرجل الشريف ربمَا أراد الإسلام فعلم أن مَنْ دُونَه
فِي الشَرَفِ قد أسْلم قبلَه فيمتنع من الإسلام لئلا يقال أسلم قبله من هو دونَهُ، وقيل كان الفقير يقول: لِمَ لَمْ أُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ الغَنِيِّ، ويقول ذو البلاء: لِمَ لَمْ أُجعل بمنزلة المُعَافى، نحو الأعمى والزَّمِن ومن أشبه هُؤلاءِ.
وقوله تعالى: (أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا).