" مِنْ " ههنا لتخليص جنس من أجناس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وَثَنٌ (?).
وقوله: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ).
الزور الكذب، وقيل إنه ههنا الشرْكُ باللَّهِ، وقيل أيضاً شهادَةُ الزور.
وهذا كله جائز.
والآية تدل - واللَّه أعلم - على أنهم نُهُوا أن يُحرمُوا ما حَرم
أصحابُ الأوْثانِ نحو قولهم: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورِنا ومحرم
على أزواجنا، ونحو نحرهم البَحيرَةَ والسائِبَةَ، فأعلمهم اللَّه أنَّ الأنْعَامَ مُحَلًلَة
إلَّا ما حرَّمَ اللَّهُ منها، ونهاهم الله عن قول الزور أن يقولوا هذا حلال وهذا
حرام لِيَفْتَروا على اللَّهِ كَذِباً.
* * *
وقوله: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
(حُنَفَاءَ لِلَّهِ)
منصوب على الحال، وتأويله مُسْلِمِين لا يَمِيلُونَ إلى دِينٍ غير الإسلام.
وقوله: (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ).
ويقرأ فَتَخْطَفهُ الطيرُ وفَتَخِطَّفُهُ. وقرأ الحسن فَتِخِطِّفُهُ بكسر التاء والخاء
والطاء.
فمن قرأ فتَخْطَفُه بالتخفيف فهو من خَطِفَ يخطَفُ، والخَطْفُ الأخْذُ
بسرعة، ومن قرأ فتَخطِّفُه - بكسر الطاء والتشديد - فالأصل فَتَخْتَطِفه فأدغم التاء في الطاء وألقى حركة التاء على الخاء ففتحها، ومن قَالَ بكسر الخاء والطاء، كسر الخاء لسكونها وسُكُون الطاء، ومن كسر التاء والخاء والطاء - وهي قراءة الحسن - فهو على أن الأصل تَخْتَطِفُه.
وهذا مثل ضَرْبةِ الله للكافر في بُعْده عِنَ الحق - فأعلمَ اللَّهُ أن بُعْدَ من
أشْركَ به مِنَ الحق كبُعْدِ مَنْ خرَّ من السماء فذهبت به الطير أو هَوَتْ به الريحُ في مكانٍ سحيق - أي، بَعِيدٍ (?).