وإليك بيان هذا المعلم من خلال ما يأتي:
أ - من سمات السلوك الشرعي: مراعاة أحوال المكلفين وقدراتهم وطبائعهم، والاهتمام بالجانب الواقعي الإيجابي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا وشئ من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا " (?) .
يقول الحافظ ابن حجر: " قوله: -سددوا) معناه: اقصدوا السداد أي الصواب، وقوله "وقاربوا " أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا " (?) . 1
إن من مزايا هذا الدين وخصائصه: مراعاة أحوال المكلفين، وملائمة طبيعة الإنسان ن بقوته وضعفه، ونوازعه ومشاعره.
وقد أشار ابن القيم إلى هذه (الواقعية) بقوله:
" لما كان العبد لا ينفك عن الهوى مادام حياً، فإن هواه لازم له، كان الأمر بخروجه عن الهوى بالكلية كالممتنع، لكن المقدور له والمأمور به أن يصرف هواه عن مراتع الهلكة إلى مواطن الأمن والسلامة، مثاله أن الله سبحانه وتعالى لم يأمره بصرف قلبه عن هوى النساء جملة، بل أمره بصرف ذلك إلى نكاح ما طاب له منهن من واحدة على أربع، ومن الإماء ما شاء، فانصرف مجرى الهوى من محل على محل، وكانت الريح دبوراً فاستحالت صباً، وكذلك هوى الظفر والغلبة والقهر، لم يأمر بالخروج عنه، بل أمر بصرفه إلى الظفر والقهر والغلبة للباطل وحزبه، وشرع له من أنواع المغالبات بالسباق وغيره مما يمرنه ويعده للظفر " (?) .