من المستحيل أن يلم باحث أو دارس بحضارات مختلفة بل ولا بمختلف نواحي حضارة واحدة؛ وعلى ذلك فإن وضع مؤلف واحد لعدد من الحضارات لا يمكن أن يكون جامعًا مانعًا يرضي كل الرغبات ويسد كل الفجوات.
ومع إنني ترددت كثيرًا في وضع هذا المؤلف؛ إلا أنني وجدت أن الضرورة تقضي بأن أُيَسِّر على طلبتي بعض الشيء وأجنبهم مشقة البحث في العديد من المراجع لمجرد سرعة الاطلاع على المعالم الرئيسية لحضارات الإقليم الذي نعيش فيه -الشرق الأدنى- على أنه ينبغي أن لا يفهم من ذلك أن في هذا المؤلف غنىً عن الاطلاع على مختلف المراجع المتخصصة في دراسة هذه الحضارات ونواحيها المتعددة.
وقد يبدو للقارئ أنني في تناول هذه الحضارات لم أراعِ ترتيبها حسب أهميتها أو أسبقيتها في الزمن ولكنني أود أن ألفت النظر إلى أنني فضلت اتباع نفس الترتيب الذي سبق أن اتبعته في كتابي السابق: "معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم" استكمالًا للفائدة المرجوة؛ إذ إنني جردت ذلك الكتاب من كل ما يشير إلى المظاهر الحضارية إلا فيما يختص بالعصور السابقة للكتابة على أساس أنها الوسيلة الوحيدة لتتبع تاريخ تلك العصور، وهكذا يمكن اعتبار هذا المؤلف مع سابقه متكاملين