كان الوالد رحمه الله لا يحبّ ضياع الوقت حتى في المناسبات أو النزهة مع العلماء أو القرابة وغيرهم، والله؛ قلّ أن أراه يخرج إلا ومعه كتابه، فإن وجد المجلس فيه علم نافع ومذاكرة جلس، وإن وجد القيل والقال والغيبة، مضى إلى ظل شجرة فجلس يقرأ حتى يأتي الطعام، فيصيب منه ويجيب الدعوة وينصرف، ولا يسمح لأحد أن يضيع عليه وقته، إذا جاءه أحد يقول: فلان قال وفعل، يقول له: اسمع، إما أن تستفيد أو تقوم عني، وهكذا طالب العلم ينبغي أن يتفقد من حوله، ويحذر من الذي يفسد قلبه بالقيل والقال.
صلح قرين السوء للقرين ... ... كصلح اللحم للسكين
ينبغي لطالب العلم أن يغار على كل ساعة وعلى كل لحظة وعلى كل طرفة عين، ما تغرّب الإنسان عن أهله ولا فارق جيرانه ولا إخوانه عبثاً، فارقهم لشيء أعز وأنفس، وهو طاعة الله ومرضاته في طلب العلم، فهذا أمر ينبغي العناية به.
ومن الأمور التي كان العلماء يوصون بها طالب العلم أنه يبحث عن قرين صالح يعينه على طلب العلم.. يبحث عن شاب خيّر صالح، يعرف فيه الهمة والنشاط، فيتخذه بطانة له على الخير، ويشدّ من أزره، وكل منهما ينصح لأخيه، حتى يكونا من المرحومين الذين سمّى الله جل جلاله.
وكان السلف الصالح -رحمة الله عليهم- يعرفون أثر الرفقة في طلب العلم من الإعانة على الخير، قال تعالى عن نبيه موسى لما أوحى إليه بالرسالة: ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا)) [طه:29-35] .