والعلم بنسبة الأقوال، وحفظها، وحفظ أصحابها، أمر تشيبُ منه الرؤوس، ولذلك تجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -وناهيك به علماً وتحقيقاً، ومع أنه جمع فأوعى كثيراً من العلم- يقول: وهذه المسألة للعلماء فيها قولان: أصحها كذا وكذا، أو يقول: قول بالمنع وقول بالجواز، ولا ينسب الأقوال، وأحياناً يسترسل فيبيّن صحة النسبة؛ لأن الفقه يحتاج إلى بيان وتمييز الأقوال.
ثم المرتبة الثانية: وهي أعلى مما قبلها: نسبة الأقوال، وأعلى منها تحرير نسبة هذا القول، وهل هو المذهب أم قول ضعيف أم مشهور؟ وهل هو عند المتقدمين أو المتأخرين؟ فهذه أمور تختص بعلماء جهابذة؛ لأنها تحتاج نفساً طويلاً، وباعاً قوياً، وهو من أقوى ما يميز علماء وفقهاء السلف -رحمهم الله- عن غيرهم: الفقه المقارَن أو المقابَل. خذ مثالاً على ذلك: الإمام ابن جرير الطبري -رحمة الله عليه- في اختلاف الفقهاء في التفسير تجده يقول: وقال بعض العلماء: لا يجوز ذلك، ومنهم فلان وفلان.. ثم يسوق سنده حدثني فلان عن فلان أنه سئل عن كذا وكذا فقال بكذا وكذا، وإذا كان في السند أو الرواية ضعف، بيّنه، وهذه أمور خدمها علماء السلف -رحمهم الله- سواء في المذاهب الفقهية أو غيرها من العلوم الأخرى.
وينبغي التنبيه على أن الأئمة لهم أسانيد بعضها أقوى من بعض، وأصحاب وكتب بعضها أقوى في الترجيح من بعض، إذا تعارضوا.
وأما المراجع الفقهية، فخُذها مرتبة حسب المذاهب (?)