فإن حصلت عنده إشكالات، يكون قد تهيأ لسماع الأجوبة عليها، فإن وجد فيها ما يحل هذه الإشكالات ويزيلها فالحمد لله، وإلا تداركها بالسؤال بعد الدرس.
وأما الرجوع للمطولات في البداية، فإنها تُربك طالب العلم، وطلاب العلم لهم ثلاثة أحوال:
المرتبة الأولى: مرتبة البداية، ويكون الطالب لا يميز بين الأدلة، ولا يعرف قويها من ضعيفها، ولا جهة دلالتها.
فهذا يقتصر على الخلاصة من الدرس، والراجح من الأحكام مع دليله، ولا يتعرض للأقوال ومناقشة أدلتها؛ لأنه لا يكلف بها.
كما ذكر هذا الإمام ابن القيم في (إعلام الموقّعين) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في (المجموع) في أكثر من موضع، إن شأن هذا: الاكتفاء بقول عالم مع معرفة دليله، ويسير على هذا الشرح بقول واحد ودليله، ويبقى حتى يصل إلى درجة الاتّباع.
وبعد أن يعرف الفقه بكماله، أو يقرأ كتاباً في أحاديث الأحكام بكامله، يكون عنده تصور مبدئي، يصبح بعد هذا وقد أخذ الفقه بدليله ممن يوثق به، وضبطه على نمط معين.
فإذا لقي الله عز وجل وسأله عن هذا الذي يقوله أو يفعله أو يفتي به، ذكر حجته ودليله بين يدي الله عز وجل.
وإذا كان لا يحسن النظر وفهم الدليل، فقد احتج بما كلف بالرجوع إليهم في قوله تعالى: ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [النحل:43] .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إجماع السلف على هذا: كانوا يأمرون العوام بالرجوع إلى أهل العلم، ولا يكلفوهم باجتهاد ولا بنظر.
المرتبة الثانية: وهي الاتّباع وفهم الدليل: لا يعرف وجه الأدلة، ومراتب الدلالة، وكيفية التعامل مع النصوص المتعارضة، والترجيح، ولكنه يفهم الدليل ووجه دلالته، وإذا جاءته أقوال عديدة يتشتت ويتذبذب، ولا يستطيع أن يقف بين فحول الأئمة وينتقي من أقوالهم وترجيحاتهم، فهذا شأنه أن يأذ كل قول بدليله.