وكان بعض الفضلاء يحكي عن الشيخ الأمين -رحمة الله عليه- أنه أعطاه رجلٌ ماءً ليتوضأ به، ثم همز ابنه ليقوم بصبّ الماء على الشيخ، قال الابن: فجئت إلى الإبريق، فلما دنوت لآخذه، نهرَني الشيخ وصبَّ على نفسه، قال، فغمزني أبي الثانية -يعني حاول-، يقول: فجئت المرة الثانية واقتربت من الشيخ، فدفعني وسحب الإبريق -رحمة الله عليه-، وهو عالم وإمام من الأئمة في العلم والورع والصلاح، ومع ذلك لم يقبل من هذا الطفل أن يلي طهوره. فقد يمتنع بعض أهل الفضل من ذلك إما لكمال فيه، أو خوف على نفسه، بل ينبغي على طالب العلم العاقل أن لا يفوِّت حسناته بخدمة الناس وتعظيمهم له.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: لا تصم في السفر متنفلاً، إنك إن صمت قال أصحابك: أنزلوا الصائم، أجلسوا الصائم، حتى يذهب أجرك، فكانوا يخشون ذهاب حسناتهم بخدمة الناس لهم.
وكان بعض العلماء يقول: أخشى من تعظيم الناس لي أن يُذْهِبَ حسناتي.
وقد تكلم الإمام ابن القيم رحمه الله بكلام نفيس على اغترار الناس بصحبة الصالحين، وهو على المعاصي، حتى يغتر بصحبتهم، فيفرَّق بينهم يوم القيامة.
والمقصود من صحبة وخدمة أهل العلم والفضل: التأسي بهم، والعمل بما يقولون، والوفاء والبر بهم، وردّ الجميل لهم إذا رضوا بذلك، وعلم منهم الرضا.