وما المانع أن تدخل بيته محتسباً الخطوات عند الله، تشتري بها رحمات الله، ويعلم الله من قلبك أنك ما دخلت بيته إلا وأنت تريد ما عند الله جل وعلا، وتأتي إليه بكل نصح وتجرد، فإذا وجدته بين طلابه جلست كأنك واحد منهم -تهيئ الأسباب- حتى يفرغ. ثم تقوم معه إلى خلوته، وتقدم له ما عندك، أما أن تأتيه بين طلابه أو تتلقف زيد أو عبيد من طلابه، وتقول له: الشيخ فيه كذا وكذا، هذا أمر من الصعوبة بمكان.
ثالثاً: إذا جئته تتخير الحجج المناسبة والأسلوب المؤثر، وتظهر الشفقة عليه كأنه غريق تريد إنقاذه، ثم إن وجدت في نفسك أنها تشتهي إهانته وإفحامه وتسفيه رأيه ومنهجه، فاعلم أنك على جرف هار، وأنك -ولو كنت صاحب حق بهذا الشعور والميل، خرجت عن كونك ترجو ما عند الله إلى ما ترجوه من حظوظ نفسك.
وقف بعض العلماء على إمام من أئمة السلف في الجرح، وقال له: تكلمتَ في أقوام لعلهم حطّوا رحالهم في الجنة منذ مائتي عام، فجلس العالم يبكي تأثراً حتى غشي عليه في المجلس، فليس مراد المذكّر إلا حثه على الاجتهاد في أن تكون نيته لله جل وعلا، وليس المراد أنه لا حاجة للجرح والتعديل، بل قد يكون واجباً كما هو معلوم.
وليس -والله- من العيب أن يختلف العلماء وأن يتناظروا ويتناقشوا، هذا لاعيب فيه ولا حرج، ولكنّ المصيبة كل المصيبة دخول حثالات ممن لا يخافون الله ولا يتقونه في نقل الأحاديث ونقل الشائعات بين طلاب العلم حتى أفسدوا ذات بينهم، والله الموعد، ووالله لتمرنّ على الإنسان ساعة يعلم ما الذي أراد بهذه التصرفات التي يفعلها، وليعلمنّ نيته وقصده في سكرة الموت، أو في ظلمة القبر، أو عند زلة الصراط، يعرف عندها هل يريد وجه الله أو يريد حظوظ نفسه.
يا أخي.. في الإنسان كفاية بعيوبه عن عيوب الناس، في الإنسان شغل في نفسه عن الناس.
عليك نفسك فاشتغل بمعايبها ... ... ... ودع عيوب الناس للناس