والواقع أن أكثر هذه القلاقل خطورة هي التي قامت في الجنوب؛ حيث انتهز البابليون فرصة تدهور أشور وبدءوا كفاحهم من أجل الاستقلال, وقد بدأ الحاكم البابلي "الذي عينه أشور بانيبال بعد أخيه" الثورة بمجرد تعيينه، وبعد وفاته أصبح حاكم بلاد البحر "نبوبولصر"1 زعيمًا للثورة, ولم تتمكن القوات الأشورية المرابطة في الجنوب "في نيبور" من هزيمته؛ فأعلن نفسه ملكًا على بابل؛ مؤسسًا الأسرة الحادية عشرة البابلية وهي التي تعرف باسم "الأسرة البابلية الأخيرة" أو "المملكة الكلدانية" كما أشرنا.
وقد ظلت الحروب قائمة بين بابل وأشور نحو 11 عامًا استطاع بعدها "نبوبولصر" أن يستولي على نيبور وأن يحرر كل بلاد سومر وأكد, ثم استمر في فتوحاته شمالًا على طول الفرات؛ حتى وصل إلى منطقة حران، ومنها تقدم على طول دجلة إلى كركوك وأشور، وحاصر أشور؛ ولكنه لم ينجح في الاستيلاء عليها، وفي تلك الأثناء طلب الأشوريون المعونة من مصر التي كانت خاضعة لهم فيما سبق؛ ولكن هذه المعونة جاءت متأخرة؛ لأن الميديين كانوا هم أيضًا قد بدءوا غزو الأراضي الأشورية واستولوا على أربخا وأشور، وعند هذه الأخيرة تقابل "كي أخسار Cyaxares" ملك الميديين مع "نبوبولصر" ملك بابل وارتبطا برباط الصداقة والسلام, وأيدا ذلك فيما بعد بزواج "نبوخذ نصر" بن "نبوبولصر" من "أميتس" بنة "كي أخسار"، ومنذ ذلك الوقت ظل الاثنان يحاربان معًا، وتمكنا في النهاية من إسقاط نينوى كما سبق أن أشرنا. وبعد مقتل آخر ملوك أشور اعتلى العرش أحد قواده " وكان يدعى أشور أوبالط" وجمع ما بقي من فلول الجيش الأشوري والمدد المصري الضئيل الذي أرسل إلى أشور واعتصم بهم في منطقة حران؛ فتقدم البابليون والميديون نحوه وسقطت مدينة حران