كما أن فكرتي بذر البذور بقصد إنتاج المحاصيل وتربية صغار الحيوانات التي من أصل بري لا بد وأنهما تحققتا في أوقات مختلفة في الأماكن المختلفة خلال التاريخ، ويرجح كثير من الباحثين أن المشاريع والاكتشافات التي أدت إلى جعل الزراعة موردًا لمعيشة جماعة قروية مستقرة تعتمد عليها اعتمادًا كليًا قد نشأت في منطقة معينة من العالم القديم ومن ثم انتقلت هذه الأفكار الجديدة وهي بذر البذور الصالحة للزراعة والحيوانات الداجنة إلى مناطق أخرى1 عن طريق الاقتباس وانتقال الثقافة وعن طريق التحركات البشرية, وما زال الباحثون يحاولون التعرف على هذه المنطقة؛ ولكنهم لم يتوصلوا بعد إلى رأي قاطع فيما يختص بذلك, وربما كانت هذه الاكتشافات قد أخذت في الظهور في جهات مختلفة, وفي وقت واحد أو أوقات متقاربة.

ويبدو أن هذه الثورة الجديدة التي تعرف باسم ثورة الدور الحجري الحديث قد استمرت فترة طويلة، كما أنها لم تصل من موطنها أو مواطنها إلى الأماكن البعيدة في غرب أوروبا وفي شرق آسيا؛ إلا بعد فترة تقرب من ثلاثة أو أربعة آلاف سنة. والواقع أن غرب أوروبا شهد عصر البرونز ونشأة المدن الصغيرة قبل أن تصل إليه هذه الأفكار الجديدة، ولا يقصد بهذا الدور فترة زمنية محددة تقع بين تواريخ ثابتة؛ وإنما يقصد به الفترة التي تقع بين الوقت الذي كان الأفراد فيه يعتمدون على حياة الصيد والوقت الذي بدأ فيه اقتصاد يقوم على استخدام كامل للمعادن, أي: إنه يدل على الفترة التي نشأت فيها الزراعة وانتشرت ببطء في كثير من جهات أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا.

واقتصاد الدور الحجري الحديث يعتمد بصفة عامة على زراعة مختلطة بالرعي؛ فأقدم المواقع الأثرية التي عثر عليها من هذا العصر كانت تعتمد على كل من استئناس الحيوان وزراعة الحبوب ولم يعثر على موقع يستدل منه على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015