بالسكنى في الألف الرابع قبل الميلاد، وعلى هذا لا شك في أن القرويين الذين عرفوا الزراعة والاستقرار لم يكونوا هم أول من غامر بسكنى الهضبة، وكانت لديهم الشجاعة على تحمل شتائها الطويل؛ ولذا ينبغي أن نستنتج أن الهضبة سكنتها أقوام سبقت أولئك الذين عاشوا فيها معيشة استقرار بعد أن عرفوا الزراعة, وأن هؤلاء الأخيرين لا بد وأنهم وفدوا إلى الهضبة من الخارج، وإذا ما حاولنا أن نتعرف على الموطن الأصلي الذي جاء منه هؤلاء؛ لوجدنا أن الأدلة الأثرية تعوزنا في هذا السبيل، وإذا ما درسنا الظروف المحيطة بالهضبة بدقة؛ فإننا نستبعد قدومهم من المناطق الجنوبية البعيدة في الهلال الخصيب؛ لأن سكان هذه الجهات كانوا قد تحولوا من البداوة إلى حياة الزراعة والاستقرار، وليس من اليسير أن يتركوا أوطانهم إلى داخل هضبة الأناضول؛ إنما المعقول أن يكون هؤلاء الوافدون قد جاءوا من القوقاز أو من منطقة بحر قزوين؛ حيث وصلت في نفس الوقت هجرة أخرى من عنصر جنسي مخالف "ولكنه كان يعيش في ظروف مشابهة تقريبًا" إلى المناطق التي تحف ببحر إيجة من الغرب, وقد عاش هؤلاء الأخيرون مع السكان الأصليين -الذين سبقوهم إلى تلك الجهات- في وئام تام فترة طويلة.

ويجب أن نلاحظ أن آثار أماكن الإقامة أثناء الدور الحجري القديم في آسيا الصغرى وجدت -كما في الجهات الجبلية الأخرى التي تحف بالهلال الخصيب "فلسطين وكردستان العراقية وإيران"- في كل من الكهوف والعراء.

أما الحجري الحديث الذي يرجح أنه كان في الألف الخامس قبل الميلاد فتتمثل آثاره في أعمق الطبقات في بعض البقاع مثل: مرسين وطرطوس وساكجي جوزي التي تحتل مواقع جغرافية تجعل ظروفها مشابهة لظروف الأماكن التي وجدت بها آثار الحجري الحديث في الهلال الخصيب؛ ولذا فهي تعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015