فأعلن حكام الأقاليم استقلالهم واغتصب أحد كبار موظفي البلاط السوريين العرش فترة إلى أن تمكن مؤسس الأسرة العشرين "ست نخت" من اعتلاء العرش بعد طرد الغاصب السوري وعاد الأمن والاستقرار في البلاد1، وفي عهد هذه الأسرة الأخيرة حدثت إغارات مفاجئة من شعوب هندو أوروبية عرفت باسم "شعوب البحر" على آسيا الصغرى؛ فأسقطت دولة الحيثيين وواصلت تقدمها في شمال سورية وزحفت جنوبًا حتى أصبحت تهدد مصر؛ ولكن رعمسيس الثالث -ثاني ملوك هذه الأسرة- تصدى لهم وهزمهم برًا وبحرًا في معركة فاصلة، وبذلك احتفظ بشيء من النفوذ المصري في سورية، كذلك ظلت بعض الولايات الحيثية قائمة فترة بعد ذلك في شمال سورية إلى أن قضى عليها نهائيًا سرجون الثاني ملك أشور في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، وبعد عهد رعمسيس الثالث أخذ نفوذ مصر يزول تدريجيًا من سورية إلى أن انتهى تمامًا في أواخر الأسرة العشرين ولم تقم له قائمة بعد ذلك إلا في فترات متباعدة ولمدد قصيرة من عهدي الأسرتين الثانية والعشرين والسادسة والعشرين, ثم أصبحت سورية ومصر نفسها بعد ذلك جزءًا من الإمبراطورية الفارسية.

ولا شك في أن ظروف الإقليم السوري الجغرافية التي أشرنا إليها من قبل2 لا تجعل من مصر الدولة الوحيدة التي كان على علاقات معها؛ بل وربما كانت بعض المناطق الأخرى أيسر اتصالًا به وعلاقاته معها أبعد مدى؛ فمن المعروف أن المنطقة بين سهول سورية الشمالية وحوض نهر دجلة الأعلى كانت كثيفة السكان منذ أقدم العصور، يسهل الانتقال عبرها بين بلاد النهرين والإقليم السوري؛ ولذا كانت بمثابة حلقة الاتصال بينهما؛ مما أدى إلى نشابه بعض حضارتهما في العصر قبل التاريخي وإلى توسع الدول القوية التي تنشأ في أي منهما في أراضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015