ب- العصر الحجري المتوسط:
تمثل هذا العصر حضارة تعرف باسم الحضارة الناطوفية1 "نسبة إلى وادي النطوف شمال غربي القدس"، وفيها ظلت الأدوات الميكروليثية مستعملة؛ بينما أخذت بعض الحيوانات التي كانت تعيش في تلك الجهات في الاختفاء؛ نظرًا لتغير الظروف المناخية. ويستدل من بقايا إنسان هذا العصر على أنه كان قصير القامة مستدير الرأس، ويرجح أنه عرف استئناس الحيوان والمرحلة البدائية في الزراعة وإن كان هذا لا يستند إلى دليل قوي حتى الآن، واتخذ منازل عبارة عن أكواخ من الطين أو اللبن عثر على أقدم آثارها في أريحا وتل الجديدة "شمال سورية" ورأس شمرا، ويتغالى بعض المؤرخين فيعتبر سورية أول من عرف بعض أسس الحضارة التي انتقلت منها إلى جهات أخرى من الشرق الأدنى2, وهو ما لا يتفق مع نشأة الحضارات العظيمة في مصر والعراق.
ومن المرجح أن الإنسان -ابتداء من هذا العصر- اهتدى إلى نوع من العقيدة بدليل ما عثر عليه من أواني الطعام والتقدمات في أماكن الدفن، كما أنه أخذ ينمي ملكته الفنية؛ حيث أصبح يحاول محاكاة ما حوله من الكائنات يحفرها على العظم أو الحجر؛ إذ عثر على قطعة من العظم في هيئة غزال وعلى تماثيل طينية لبعض الحيوانات الداجنة كانت في مزار مقبرة في أريحا.