إلى قسمين شاملين: ما قبل الإسلام أو "العصر الجاهلي" والتاريخ الإسلامي، وبما أن عصر ما قبل الإسلام يمتد إلى العصور الوسطى؛ فإن تاريخ بلاد العرب القديم سواء كان في العصور قبل التاريخية أو في العصور التاريخية لبعض أجزائها يدخل ضمنًا في عصر ما قبل الإسلام حتى يصعب على البعض التفرقة بينهما؛ غير أنني أفضل عدم تجاوز نهاية الفترة التي حددتها مجالًا للدراسة في هذا الكتاب، أي: إننا سنكتفي بالتوقف عند التاريخ الذي يعادل ظهور الإسكندر بقدر الإمكان.
ولا شك في أن قسوة الظروف الطبيعية في شبه الجزيرة قد جعلت منها بيئة غير مرغوب فيها, لا يعرف العالم المتحضر من تاريخها إلا القليل؛ إذ إن هذه الظروف كانت سببًا في عدم نشاط الارتحال إليها, وجعلت القيام ببحوث علمية وأثرية فيها أمرًا يكاد يكون مستحيلًا إلا في بعض مناطق محدودة للغاية، وقد يجيء الوقت الذي يمكن للإنسان فيه أن يستعين بوسائل المدنية الحديثة على البقاء في أقسى جهاتها ظروفًا, وأن يقوم بما يريد من أبحاث تزيد معلوماتنا عنها.
رغم قلة ما توصلنا إليه من معلومات عنها, تدل شواهد الأحوال على أن شبه الجزيرة كانت تنعم بظروف مناخية ملائمة لسكنى الإنسان؛ فهي في هذا تماثل نظيراتها في العالم القديم -أي: الصحراء الليبية وصحراء مصر الشرقية- ولذا يرجح أنها ظلت كذلك إلى نهاية العصور الحجرية على الأقل؛ فقد وجد أحد الأمريكيين في الربع الخالي بقايا نهر واسع هو السهل المنخفض المسمى "أبو بحر" كما وجدت آثار أنهار في جنوبي شبه الجزيرة يستدل عليها من وديانها الجافة الآن، وفي هذه الأماكن وبالقرب منها بقايا حيوانات من تلك التي تعيش في مناخ شبيه بما كان سائدًا في شمال إفريقيا في تلك العصور, كذلك عثر على آثار تدل على أن بعض المدن كانت توجد في مناطق مختلفة من جنوب شبه الجزيرة على الأقل.