الإغريقية وعناصر جزر البحر المتوسط تمثل الغالبية في عهد بسماتيك، ومن ثم بدأ النفوذ اليوناني يدخل إلى مصر وتأثرت الثقافة المصرية بتأثيرات يونانية مختلفة، وقد عمل المصريون من جانبهم على تيسير إقامة اليونانيين في بلادهم فبنوا لهم بعض المدن الخاصة, وشيدوا لهم مستعمرات أقاموا فيها وتزايد عددهم حتى دب الحسد في نفوس الجنود الآخرين من مصريين وليبيين وغيرهم، وفر بعضهم إلى النوبة؛ لأن هؤلاء لم ينظروا بعين الارتياح لتشجيع بسماتيك للمرتزقة اليونانيين، وقد أطلق هيرودوت على هؤلاء الفارين اسم "أسماخ"1؛ ولكن وجود المرتزقة اليونانيين في أعداد كبيرة كان من جهة أخرى سببًا في إنعاش الأحوال الاقتصادية نوعًا ما؛ لأن بسماتيك وجد أنه لا بد من الإنفاق على هذا الجيش الكبير؛ فشجع التجارة مع الدول المجاورة وفي نفس الوقت فرض الضرائب على البضائع الواردة إلى مصر ونظم الإدارة وعاد بها إلى التقاليد القديمة؛ حيث أخذ المصريون في ذلك الوقت يشعرون بأن عظمة مصر في عهد الدولة القديمة كانت أعلى ما وصلت إليه في تاريخها؛ ولذلك اصطبغ عهد الأسرة السادسة والعشرين بصبغة الدولة القديمة في كل شيء, وعاد الناس إلى أسلوب الكتابة القديمة وإلى المعبودات القديمة والفنون القديمة مع شيء بسيط من التحرر, وربما كان هذا من الأسباب التي تحبذ إطلاق اسم عصر النهضة على هذه الفترة من تاريخ مصر القديم.
وتتميز هذه الفترة من تاريخ مصر أيضًا بنهج جديد في السياسة المصرية؛ إذ إن مصر -مع تركيز اهتمامها في علاقاتها الخارجية بالأقطار الشمالية- كانت أكثر ارتباطًا باليونان منها بأي قطر آخر، وفي نفس الوقت لم تحاول مملكة نباتا من جانبها أن تعيد علاقاتها بمصر؛ بل اتجهت بدورها إلى الأقطار التي تقع