شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، فعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يُبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه وحسنه الألباني.

واعلم أخي أن وعود الله متحققة لا محالة لمن أقام شرطها قال تعالى (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: من الآية111) وقال أيضاً "وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ" (الرعد: من الآية31) فعلى المسلم أن يُحسن الظن بربه وخاصة تجاه وعوده الكريمة ولماذا نسيء الظن بربنا وقد علمنا أنه لا يُخلف وعده ولِمَ نتشاءم، والله تعالى يقول: "أنا عند ظن عبدي بي" فمن أحسن الظن به أعانه وبلغه مُراده، ومن أساء بالله الظن لن يعطيه الله تعالى إلا ظنه، وقد استوجب مسيئو الظن بالله غضبه ولعنته قال الله تعالى: "الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً" (الفتح: من الآية6).

وإن من أسماء الله تعالى البر الرحيم الودود العزيز اللطيف وغيرها من الأسماء الحسنى، فربٌ هذه أسماؤه وتلك صفاته يُظن به ظن السوء؟ والله ما قدرنا الله حق قدره، وما عرفناه حق معرفته، فالمتأمل في الأسماء الحسنى للخالق تعالى لن يجد بُداً من التفاؤل وحسن الظن به والثقة بما عنده من الخير والعطاء الجزيل.

وحسن الظن بالله من العبادات الجليلة، والطاعات القلبية العظيمة التي تدل على حب العبد لربه وتصديقه بوعده وقد قال تعالى: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج/47]. والسبب الكبير في ضعف اليقين تجاه الوعود الربانية، هو: التعلق بالدنيا، والركون إليها، ولهذا فإنك لو تأملتَ لوجدت أن أضعف الناس يقيناً بموعود الله هم أهل الدنيا، الراكنين إليها، وأقواهم يقيناً هم العلماء الربانيون، وأهل الآخرة، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه. قال تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6، 7]

ولا يُشكل على هذا ما يمر على القارئ من آيات قد يُفهم منها أن فيها نوعاً من التردد في تصديق وعد الله، أو الشك في ذلك، كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وكقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110]، فإن هذه الآيات إنما تحكي حالةً عارضة تمر بالإنسان ـ بسبب ضعفه حيناً، وبسبب استعجاله أحياناً ـ وليست حالةً دائمةً، وإذا كان الشك في موعود الله لا يصح أن ينسب إلى آحاد المؤمنين، فهو من الأنبياء والمرسلين أبعد وأبعد، ولكن ـ ولحكمة بالغة ـ جاءت هذه الآيات لتطمئن المؤمنين من هذه الأمة أن حالات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015