وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الرَّحْمَن لَا يملكُونَ مِنْهُ خطابا) ثمَّ إِنَّه لما أَرَادَ الزِّيَادَة فِي تَقْرِير هَذَا الْمَعْنى قَالَ بعده {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا} وَلَوْلَا أَن الْمَلَائِكَة أعظم الْمَخْلُوقَات دَرَجَة وَإِلَّا لما صَحَّ هَذَا التَّرْتِيب
الثَّانِي أَنه تَعَالَى قَالَ {والمؤمنون كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله} وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيب الصَّحِيح لِأَن الْإِلَه هُوَ الْمَوْجُود الْأَشْرَف ويتلوه فِي دَرَجَته الْمَلَائِكَة ثمَّ إِن الْملك يَأْخُذ الْكتاب من الله تَعَالَى ويوصله إِلَى الرَّسُول وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون التَّرْتِيب هَكَذَا الْإِلَه وَالْملك وَالْكتاب وَالرَّسُول وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيب الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن وَهُوَ يدل على شرف الْملك على الْبشر
الثَّالِث أَن الْمَلَائِكَة جَوَاهِر مُقَدَّسَة عَن ظلمات الشَّهَوَات وكدورات الْغَضَب قطعا وطعامهم التَّسْبِيح وشرابهم التهليل وَالتَّقْدِيس وأنسهم بِذكر الله تَعَالَى وفرحهم بعبودية الله تَعَالَى فَكيف يُمكن مناسبتهم بالموصوف بالشهوة وَالْغَضَب
الرَّابِع أَن الأفلاك تجْرِي مجْرى الْأَبدَان للْمَلَائكَة وَالْكَوَاكِب تجْرِي مجْرى الْقُلُوب وَنسبَة الْبدن إِلَى الْبدن وَالْقلب إِلَى الْقلب كنسبة الرّوح إِلَى الرّوح فِي الْإِشْرَاق والصفاء
أَحدهَا أَن كل من كَانَت نعْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ أَكثر كَانَ صُدُور الذَّنب مِنْهُ أقبح وأفحش ونعمة الله تَعَالَى على الْأَنْبِيَاء أَكثر فَوَجَبَ أَن تكون ذنوبهم أقبح وأفحش من ذنُوب كل الْأمة وَأَن يستحقوا من الزّجر