الثَّانِي لَو حصل مُرَاد للْعَبد وَلم يحصل مُرَاد الله تَعَالَى لَكَانَ الله تَعَالَى مَغْلُوبًا وَالْعَبْد غَالِبا وَهُوَ محَال
فَإِن قَالُوا إِنَّه تَعَالَى قَادر على أَن يخلق الْإِيمَان فِيهِ بالإلجاء
فَنَقُول هَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ الْإِيمَان الِاخْتِيَارِيّ وَأَنه قَادر على تَحْصِيل الْإِيمَان على سَبِيل الإلجاء وَهَذَا غير ذَلِك
فَيلْزم أَن يُقَال إِنَّه تَعَالَى عَاجز مغلوب على تَحْصِيل مُرَاده وَأَن العَبْد غَالب قاهر وَهُوَ محَال
الثَّالِث أَنه تَعَالَى علم من الْكفَّار أَنهم يموتون على الْكفْر وَعلم أَن ذَلِك الْعلم مَانع لَهُم من الْإِيمَان وَعلم أَن قيام الْمَانِع يمْنَع الْفِعْل فَعلمه بِكَوْنِهِ فِي نَفسه مُمْتَنعا يمنعهُ عَن إِرَادَته فَثَبت أَنه تَعَالَى لَا يُرِيد الْإِيمَان من الْكَافِر احْتَجُّوا بِأَنَّهُ تَعَالَى أَمر الْكفَّار بِالْإِيمَان وَالْأَمر يُوَافق الْإِرَادَة وَأَيْضًا فعل المُرَاد طَاعَة فَلَو أَرَادَ الله تَعَالَى الْكفْر من الْكَافِر لَكَانَ الْكَافِر مُطيعًا بِكُفْرِهِ وَلِأَن إِرَادَة السَّفه توجب السفاهة
وَالْجَوَاب عَن الأول أَنكُمْ تَقولُونَ الْإِرَادَة على وفْق الْأَمر لَا على وفْق الْعلم وَنحن نقُول الْإِرَادَة على وفْق الْعلم لَا على وفْق الْأَمر وَقَوْلنَا أولى لِأَن الْعلم لَا يبْقى علما إِذا لم يُوجد معلومه وَالْأَمر لَا يلْزم زَوَاله عِنْد عدم الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ فَثَبت أَن قَوْلنَا أولى
وَعَن الثَّانِي أَن الطَّاعَة عبارَة عَن الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ لَا بالمراد وَهَذَا أولى لِأَن الْأَمر صفة ظَاهِرَة والإرادة صفة خُفْيَة
وَعَن الثَّالِث أَنه بِنَاء على جَرَيَان حكم التحسين والتقبيح فِي أَفعَال الله تَعَالَى وَقد أبطلناه وَالله أعلم بِالصَّوَابِ