تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا) وَجه الِاسْتِدْلَال أَن قَوْله تَعَالَى يَا عبَادي يَقْتَضِي تَخْصِيص هَذَا الْخطاب بِأَهْل الْإِيمَان فَإِن عَادَة الْقُرْآن جَارِيَة بتخصيص لفظ الْعباد بِالْمُؤْمِنِينَ
وَقَوله {يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} يُفِيد الْقطع بِوُجُود هَذَا الغفران
وَعِنْدنَا أَن كل ذَلِك مَحْمُول على الْقطع بِأَن الله تَعَالَى يخرج جَمِيع أهل الْإِيمَان من النَّار
الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} أَي حَال ظلمهم وَذَلِكَ يدل على حُصُول الغفران قبل التَّوْبَة
الرَّابِع هُوَ أَن الْمُؤمن يسْتَحق بإيمانه وَسَائِر طاعاته الثَّوَاب وَيسْتَحق بِفِسْقِهِ الْعقَاب على قَول الْخصم وَالْقَوْل بِزَوَال اسْتِحْقَاق الثَّوَاب بَاطِل لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يحصل على سَبِيل الموازنة أَو لَا على هَذَا الْوَجْه وَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يُؤثر كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي عدم الآخر فَذَلِك التَّأْثِير إِمَّا أَن يَقع مَعًا أَو على التَّعَاقُب وَالْأول بَاطِل لِأَن الْمُؤثر فِي عدم كل وَاحِد مِنْهُمَا وجود الآخر وَالْعلَّة حَاصِلَة مَعَ الْمَعْلُول فَلَو حصل العدمان مَعًا لحصل الوجدان مَعًا مَعَ ذَيْنك العدمين وَذَلِكَ يُوجب الْجمع بَين النقيضين وَهُوَ محَال
وَالثَّانِي وَهُوَ حُصُول هَذَا التَّأْثِير على سَبِيل التَّعَاقُب وَهُوَ محَال أَيْضا لِأَن المغلوب لَا يعود غَالِبا الْبَتَّةَ
وَأما القَوْل بِأَنَّهُ الإحباط لَا مَعَ الموازنة فَهَذَا يَقْتَضِي أَن لَا ينْتَفع ذَلِك الْمُؤمن بإيمانه وَلَا بِطَاعَتِهِ الْبَتَّةَ لَا فِي جلب نفع وَلَا فِي دفع ضَرَر وَإنَّهُ ظلم فَثَبت بِمَا ذكرنَا أَن اسْتِحْقَاق الثَّوَاب بَاقٍ مَعَ اسْتِحْقَاق الْعقَاب وَإِذا ثَبت هَذَا وَجب حصولهما فإمَّا أَن يدْخل الْجنَّة مُدَّة ثمَّ ينْتَقل إِلَى النَّار وَهُوَ بَاطِل بالِاتِّفَاقِ وَإِمَّا أَن يدْخل النَّار مُدَّة ثمَّ ينْتَقل إِلَى الْجنَّة وَهُوَ الْحق
وَاحْتج الْخصم بعمومات الْوَعيد وَهِي مُعَارضَة بعمومات الْوَعْد وَالتَّرْجِيح لهَذَا الْجَانِب لِأَن المساهلة فِي الْوَعيد كرم وَفِي الْوَعْد لؤم
وَاحْتج أَيْضا بقوله تَعَالَى إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي