الأول أَن ذَلِك الْعقَاب ضَرَر خَال عَن النَّفْع فَيكون قبيحا أما أَنه ضَرَر فَظَاهر وَأما أَنه خَال عَن النَّفْع فَلِأَن ذَلِك النَّفْع يمْتَنع عوده إِلَى الله تَعَالَى لكَونه تَعَالَى منزها عَن المضار وَالْمَنَافِع وَيمْتَنع عوده إِلَى ذَلِك العَبْد المذنب وَهُوَ مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَيمْتَنع عوده إِلَى غَيره لِأَنَّهُ لَا نفع يُرِيد الله إيصاله إِلَى عبد إِلَّا وَهُوَ قَادر على فعله بِدُونِ إيصاله هَذَا الضَّرَر إِلَى هَذَا المعذب
وَأَيْضًا فإيصال الضَّرَر إِلَى حَيَوَان لأجل أَن ينْتَفع بِهِ حَيَوَان آخر ظلم فَثَبت أَنه ضَرَر خَال عَن النَّفْع من كل الْوُجُوه وَهَذَا لَا يَلِيق بأرحم الرَّاحِمِينَ
الثَّانِي أَن العَبْد يَقُول يَوْم الْقِيَامَة يَا إِلَه الْعَالمين هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي كلفتني بهَا وعصيتك فِيهَا إِن كَانَت خَالِيَة عَن الْحِكْمَة وَالْغَرَض كَانَ التعذيب على تَركهَا لَا يَلِيق بِالرَّحْمَةِ وَإِن كَانَت مُشْتَمِلَة على الْحِكْمَة وَالْغَرَض فَتلك الْحِكْمَة إِن عَادَتْ إِلَيْك فَأَنت مُحْتَاج إِلَى وَإِن كَانَ الْمَقْصُود من تكليفي بهَا عود مَنَافِعهَا إِلَيّ فَلَمَّا تركتهَا فَمَا قصرت إِلَّا فِي حق نَفسِي فَكيف يَلِيق بالحكيم أَن يعذب حَيَوَانا لأجل أَنه قصر فِي حق نَفسه وَيجْرِي هَذَا مجْرى من يَقُول لعَبْدِهِ حصل لنَفسك هَذَا الدانق لتنتفع بِهِ فَإِذا قصر فِيهِ أَخذه الْمولى وَقطع أعضاءه إربا إربا لأجل أَنه قصر فِي تحصل ذَلِك الدانق لنَفسِهِ وَهَذَا بِخِلَاف الْمولى إِذا أَمر عَبده فخالفه فَإِنَّهُ يحسن مِنْهُ عِقَابه وَذَلِكَ لِأَن الْمولى ينْتَفع بذلك الْفِعْل ويضره تَركه فَلَا جرم يحسن مِنْهُ أَن يُعَاقِبهُ على ذَلِك التّرْك وَأما فِي حق الله تَعَالَى فَهَذَا محَال قطعا فَظهر الْفرق
وَالثَّالِث أَن جَمِيع أَفعَال العَبْد من مُوجبَات أَفعَال الله تَعَالَى فَكيف يحسن التعذيب مِنْهُ