الفصل الثّاني
في ذكر رَضاعه
قَالَت حَليمةُ: كنا أهلَ بيتٍ أشدَّ الناس فقراً، وأكثرَهم جوعاً، وكنا وقعنا في غلاء، وكنا نأكل العظامَ والجلودَ المحرقةَ، وكنت قد وَلَدْت مولوداً، وكان لي سبعة أيام، ما استطعمت فيها بطعام، إني أتقوَّت بالحشيش، وأنا أقنَعُ وأصبر، وأحمدُ الله على كل حال.
قَالَت: فدخل عليَّ نسوانُ العرب، وقلن: يا حليمةُ! قومي بنا إِلَى مكة نرضعْ أولادَ الأغنياء، ليواسونا بشيء من النفع، فقلت: قوموا معي، والله! وأنا أيضاً: أُخبرت بدخولِ مكةَ في منامي.
فسبقني نسوانُ العرب، فكان تحتي حمارٌ حضيض الماء في بطنه، قد بدت عظامُه، فخرج شخص من بين يديَّ من الجبلين، وقَالَ لي: حليمة! جدِّي سيرك، وأنا ملك أمرني ربي بحفظك من كل شيطانٍ مَريد، فقلت: ما أرى حماري يمشي، إن شيطاناً تعلق في ذنبه، فضربه بحربة من نور، فطار الحمار، وذهب الشيطان.
وسرنا، فكنت لا أمرُّ بحجر ولا شجر، ولا شيءٍ إلا ينادي: هنيئاً