الآخر وَكَذَلِكَ يجوز سوادان فِي مَحل وَاحِد فِي زمانين إِذْ لهَذَا وصف لَيْسَ للْآخر وَهُوَ الِافْتِرَاق بِهَذَا الزَّمَان الْخَاص فَلَيْسَ فِي الْوُجُود مثلا مُطلقًا بل بالاضافة كَقَوْلِنَا زيد وَعَمْرو مثلان فِي الانسانية والجسمية وَسَوَاد الحبر والغراب مثلان فِي السوادية ومحال تغايرها لِأَن التغاير نَوْعَانِ
أَحدهمَا باخْتلَاف النَّوْع والماهية كتغاير النَّار وَالْمَاء وتغاير السوَاد وَالْعلم
الثَّانِي بالعوارض الَّتِي لَا تدخل فِي الْمَاهِيّة كتغاير المَاء الْحَار للْمَاء الْبَارِد فان كَانَ تغاير الْأَرْوَاح البشرية بالنوع والماهية فمحال لِأَن الْأَرْوَاح البشرية متفقة بِالْحَدِّ والحقيقة وَهِي نوع وَاحِد لِأَن الْحَد وَهُوَ الْحَيَوَان النَّاطِق يشملها وان كَانَت مُتَغَايِرَة بالعوارض فمحال لِأَن الْحَقِيقَة الْوَاحِدَة انما تتغاير عوارضها إِذا كَانَت مُتَعَلقَة بالأجساد منسوبة اليها بِنَوْع مَا وَلَا تعلق لَهَا بالاجسام قبل وجود الْأَبدَان فَكَانَ الِاخْتِلَاف محالا إِذْ الِاخْتِلَاف فِي أَجزَاء الْجِسْم ضَرُورَة وَلَو كَانَ فِي الْقرب من السَّمَاء والبعد مِنْهُ مثلا أما إِذا لم يكن كَذَلِك كَانَ الأختلاف والتغاير محالا وَهَذَا رُبمَا يحْتَاج تَحْقِيقه إِلَى مزِيد بَيَان وَلَكِن فِي هَذَا الْقدر تَنْبِيه عَلَيْهِ
فان قيل فَكيف تكون حَال الْأَرْوَاح بعد مُفَارقَة الْأَجْسَام وَلَا تعلق لَهَا بالاجسام فَكيف تكثرث وتغايرت
فَالْجَوَاب أَن نقُول لِأَنَّهَا اكْتسبت بعد التَّعَلُّق بالأبدان أوصافا مُخْتَلفَة من الْعلم وَالْجهل والصفاء والكدرة وَحسن الْأَخْلَاق وقبحها فَبَقيت بِسَبَبِهَا مُتَغَايِرَة فعقلت كثرتها بِخِلَاف مَا قبل الاجساد فانه لَا سَبَب لتغايرها فقد اتَّضَح أَن النَّفس تحدث كَمَا تحدث مَادَّة بدنية صَالِحَة لاستعمالها إِيَّاهَا وَيكون الْبدن آلَة ومملكة لَهَا وَيكون للنَّفس الْحَادِثَة فِي جوهرها هَيْئَة نزاع طبيعي إِلَى الِاشْتِغَال بذلك الْبدن خَاصَّة والاهتمام بأحواله والانجذاب اليه وَتلك الْهَيْئَة تكون