وبتلك الْمُقدمَات وبكيفية الازدواج وَالتَّرْتِيب المفضي إِلَى الْمَطْلُوب تصورا أَو تَصْدِيقًا هُوَ مَانع من الْعلم
وَهَكَذَا كالمرآة إِذا لم تحاذها شطر الصُّورَة فَلَا تقع فِيهَا الصُّورَة وَكَذَلِكَ إِذا حرف عَن جِهَة الصُّور فَفِي اقتناص الْعُلُوم طرق عَجِيبَة وازورارات وتحريفات خُفْيَة أعجب مِمَّا ذكرنَا فِي الْمرْآة ويعز على بسيط الأَرْض من يَهْتَدِي إِلَى كَيْفيَّة الْحِيلَة فِي تِلْكَ الازورارات فَهَذِهِ هِيَ الْأَسْبَاب الْمَانِعَة للقلوب من معرفَة حقائق الْأُمُور وَإِلَّا فَكل قلب هُوَ بالفطرة صَالح لمعْرِفَة الْحَقَائِق وان كَانَ بَينهَا تفَاوت كثير لِأَنَّهُ أَمر رباني شرِيف كَمَا ذَكرْنَاهُ فَارق سَائِر جَوَاهِر الْعَالم بِهَذِهِ الخاصية والشرف واليه الأشارة بقوله تَعَالَى {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا وَحملهَا الْإِنْسَان} إِشَارَة إِلَى أَن لَهُ خاصية تميز بهَا عَن السَّمَاوَات وَالْأَرضين وَالْجِبَال بهَا صَار مطيقا لحمل أَمَانَة الله تَعَالَى وَتلك الْأَمَانَة هِيَ الْمعرفَة والتوحيد وقلب كل آدَمِيّ مستعد للأمانة ومطيق لَهَا فِي الأَصْل وَلَكِن يثبطها عَن النهوض بأعبائها والوصول إِلَى تحقيقها الْأَسْبَاب الَّتِي ذكرنَا وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا الشَّيَاطِين يحومون على قُلُوب بني آدم لنظروا إِلَى ملكوت السَّمَاء اشارة إِلَى بعض هَذِه الْأَسْبَاب الَّتِي هِيَ الْحجاب بَين الْقلب وَبَين الملكوت
وَفِي الْخَبَر قَالَ الله تَعَالَى لم يسعني أرضي وسمائي ووسعني قلب عَبدِي الْمُؤمن اللين الْوَدِيع وَفِي الْخَبَر أَنه قيل من خير النَّاس فَقَالَ كل مُؤمن مَحْمُوم الْقلب فَقيل وَمَا مَحْمُوم الْقلب فَقَالَ هُوَ التقي النقي الَّذِي لَا غش فِيهِ وَلَا بغي وَلَا غل وَلَا حسد وَلذَلِك قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ رأى قلبِي رَبِّي إِذا كَانَ قد رفع الْحجاب بالتقوى وَمن ارْتَفع الْحجاب بَينه وَبَين قلبه تجلت صُورَة الْملك والملكوت فِي قلبه فَيرى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض