يستكمل نفسا بالشريعة حَتَّى يعِيش فِي ذَلِك الْعَالم فقيضت الْمَلَائِكَة مسخرين للطبيعة فَحصل كَمَال الْأَبدَان وَبعث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام مُدبرين للشريعة حَتَّى حصل كَمَال النُّفُوس وكما أَن الصفوة فِي المزاج انما حصلت بابتلاء الامشاج واستخلاص الْموَاد حَتَّى صَار مولودا سميعا بَصيرًا فِي هَذَا الْعَالم كَذَلِك الصفوة فِي النُّفُوس إِنَّمَا حصلت بابتلاء التكاليف واستخلاص النُّفُوس حَتَّى صَار سميعا بَصيرًا كَامِلا فِي ذَلِك الْعَالم وَلَوْلَا تِلْكَ التصفية لم يكن ليَبْعَث ملك إِلَى عَالم الْأَرْحَام وَلَوْلَا هَذِه التصفية لم يكن ليَبْعَث نَبِي إِلَى عَالم الْأَحْكَام
وأعجب بروحانيين متوسطين فِي الْخلق وجسمانيين متوسطين فِي الْأَمر وَالْمَلَائِكَة يحشرون الْخلق من التُّرَاب إِلَى تَمام الْخلقَة الانسانية لهَذَا الْعَالم والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام يحشرون الْخلق من الْجَهْل إِلَى تَمام الْفطْرَة الملكية لذَلِك الْعَالم فالملائكة والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام فِي عالمي الْخلق وَالْأَمر عُمَّال الْأَمر الْأَعْلَى وكل بأَمْره يعْملُونَ وَمن خَشيته مشفقون يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون
فَإِن قَالَ قَائِل مَا ذكرْتُمْ فِي إِثْبَات هَذِه المعارج والموازنات بَين النَّفس وَبَين الله تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله كلهَا تُشِير إِلَى إِثْبَات مشابهة ومضاهاة بَين العَبْد وَبَين الله وَمَعْلُوم شرعا وعقلا إِن الله لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَأَنه لَا يشبه شَيْئا وَلَا يُشبههُ شَيْء
فَالْجَوَاب أَن نقُول قد أَشَرنَا فِي إِثْبَات هَذِه المعارف مَا يُوجب تقدس الْبَارِي عَن جَمِيع صِفَات مبدعاته ومكوناته وَمَعَ هَذَا مهما عرفت معنى الْمُمَاثلَة المنفية عَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عرفت أَنه لَا مِثَال لَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَن نظن أَن الْمُشَاركَة فِي كل وصف توجب الْمُمَاثلَة أفترى أَن الضدين متماثلان وَبَينهمَا غَايَة الْبعد الَّذِي لَا يتَصَوَّر أَن يكون بعد فَوْقه وهما يَشْتَرِكَانِ فِي أَوْصَاف كَثِيرَة إِذْ السوَاد يُشَارك الْبيَاض فِي كَونه عرضا وَفِي كَونه لونا وَفِي كَونه مدْركا بالبصر وَأمر آخر سواهُ أفترى ان من قَالَ إِن الله مَوْجُود لَا فِي مَحل وَإنَّهُ