"أَعْلَى حُجَّةٍ" أَبْلَغُهَا وَأَدْمَغُهَا "عَزَّ" سُلْطَانُهُ "وَجَلَّ" شَأْنُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حُجَّةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَاتَمُ الرُّسُلِ وَالْمُصَدِّقُ لِمَا جَاءُوا بِهِ وَكِتَابُهُ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِمَّا مَعَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ وَمُهَيْمِنٌ عَلَيْهِ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاءِ: 136-165] وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الْحَجِّ: 49-51] وَقَالَ تَعَالَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 45-47] الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لَهُ: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سَبَأٍ: 46] الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الْبَقَرَةِ: 24-25] الْآيَةَ. وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا أَنَّهُ مَا أَرْسَلَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا دَاعِيًا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْكُفْرِ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَمُبَشِّرًا لِمَنْ صَدَّقَهُ وَأَطَاعَهُ بِالْجَنَّةِ وَنَذِيرًا لِمَنْ كَذَّبَهُ وَعَصَاهُ مِنَ النَّارِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النِّسَاءِ: 165] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الْأَنْعَامِ: 149] وَتَقْدِيرُ الْبَحْثِ فِي الرِّسَالَةِ وَاتِّفَاقِ الرُّسُلِ فِي دَعْوَتِهِمْ يَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ" يَعْنِي الرُّسُلَ "بِلَا شِقَاقِ" تَكْذِيبٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ "فَقَدْ وَفَى" لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ "بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ" الْعَهْدِ الْأَوَّلِ, وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْقَلِيلُ مِنَ الثَّقَلَيْنِ, وَلَكِنْ هُمْ جُنْدُ اللَّهِ الْغَالِبُونَ الْمَنْصُورُونَ فِي الدُّنْيَا وَحِزْبُهُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ فِي الْآخِرَةِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ "فَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ" إِذْ لَمْ يَرْتَكِبْ