فصل منكرو البعث أربعة أصناف الطبائعية والدورية ومشركو العرب وملاحدة الجهمية وشرح أبيات عنهم في نونية ابن القيم

فَصَلٌ: [مُنْكِرُو الْبَعْثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ] :

ثُمَّ مُنْكِرُو الْبَعْثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ:

صِنْفٌ أَنْكَرُوا الْمَبْدَأَ وَالْمَعَادَ, وَزَعَمُوا أَنَّ الْأَكْوَانَ تَتَصَرَّفُ بِطَبِيعَتِهَا فَتُوجَدُ وَتَعْدَمُ بِأَنْفُسِهَا, لَيْسَ لَهَا رَبٌّ يَتَصَرَّفُ فِيهَا, إِنَّمَا هِيَ أَرْحَامٌ تَدْفَعُ وَأَرْضٌ تَبْلَعُ, وَهَؤُلَاءِ هُمْ جُمْهُورُ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ وَالْطَبَائِعِيَّةِ.

وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنَ الدَّهْرِيَّةِ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الدَّوْرِيَّةُ, وَهُمْ مُنْكِرُونَ لِلْخَالِقِ أَيْضًا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي كُلِّ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يَعُودُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَيَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا قَدْ تَكَرَّرَ مَرَّاتٍ لَا تَتَنَاهَى فَكَابَرُوا فِي الْمَعْقُولِ وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ يَعُمُّهُمْ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الْجَاثِيَةِ: 34] وَلِهَذَا عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِيهَا تَفْسِيرَانِ الْأَوَّلُ مَعْنَى قَوْلُهُمْ {نَمُوتُ وَنَحْيَا} أَيْ يموت الآباء ويحيا الْأَبْنَاءُ هَكَذَا أَبَدًا, وَهُوَ قَوْلُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُمْ عَنَوْا كَوْنَهُمْ يَمُوتُونَ وَيُحْيَوْنَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبَدًا وَلَا حِسَابَ وَلَا جَزَاءَ, بل ولا موجد وَلَا مُعْدَمَ وَلَا مُحَاسِبَ وَلَا مُجَازِيَ, وَهَذَا قَوْلُ الدَّوْرِيَّةِ.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ الدَّهْرِيَّةُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ, وَهُمْ مُقِرُّونَ بِالْبُدَاءَةِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزُّخْرُفِ: 87] وَمَعَ هَذَا قَالُوا {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} [الدُّخَانِ: 35] فَأَقَرُّوا بِالْبُدَاءَةِ وَالْمُبْدِئِ, وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ وَالْمَعَادَ وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحِ "وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي, وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ" 1.

وَالصِّنْفُ الرَّابِعُ مَلَاحِدَةُ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ, أَقَرُّوا بِمَعَادٍ لَيْسَ عَلَى مَا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015