لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا مُؤْمِنِينَ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَا يَنْعَكِسُ, فاتفق الاسمان ههنا لِخُصُوصِيَّةِ الْحَالِ, وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ... " 1: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْإِيمَانَ الشَّرْعِيَّ اسْمٌ لِمَعْنًى ذِي شُعَبٍ وَأَجْزَاءٍ, لَهُ أَعْلَى وَأَدْنَى, والاسم يتعلق ببعضها كَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا, وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ شُعَبِهِ وَتَسْتَوْفِي جُمْلَةَ أَجْزَائِهِ؛ كَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَهَا شُعَبٌ وَأَجْزَاءٌ والاسم يتعلق ببعضها, وَالْحَقِيقَةُ تقتضي جميع أجزائها وَتَسْتَوْفِيهَا, وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ" 2 وفيه إثبات التفاضل فِي الْإِيمَانِ وَتَبَايُنِ الْمُؤْمِنِينَ في درجاته3. ا. هـ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ, لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [الْبَقَرَةِ: 3] الْآيَاتِ, قَالَ: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ, وَالْإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنْ الِاعْتِقَادِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ, بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَجُمَّاعُهَا الدِّينُ, وَلِذَلِكَ قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيلُ, أَتَاكُمْ يعلمكم دينكم" ا. هـ4. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِسْلَامُ أَنَّ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا, وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" قَالَ: هَذَا بَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ, وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَبَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ, وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ, وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ, وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهِمَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ