يَحْفَظُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلَيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا أَكْثَرَ من مائة كذبةت" 1. وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ, كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ, فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ -وَصَفَهُ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَّفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ, ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ, حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ, فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ, فَيُقَالُ: أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا, كَذَا وَكَذَا؟ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ" وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ2, وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحَدِّثَ فِي الْعَنَانِ -وَالْعَنَانُ: الْغَمَامُ- بِالْأَمْرِ فِي الْأَرْضِ, فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ, فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ" 3 وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبَ الْكَاهِنِ بِقَوْلِهِ: {أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشُّعَرَاءِ: 222] فَسَمَّاهُ أَفَّاكًا وَذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي وَصْفِهِ بِالْكَذِبِ, وَسَمَّاهُ أَثِيمًا وَذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي وَصْفِهِ بِالْفُجُورِ, وَقَوْلُهُ: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} أَيْ: أكثر ما يقولونه الْكَذِبَ, فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فِيهِمْ صَادِقًا, يُفَسِّرُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ" فَلَا يَكُونُ صِدْقًا إِلَّا الْكَلِمَةُ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ.
وَأَمَّا كُفْرُ الْكَاهِنِ فَمِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا كونه وليا للشيطان فَلَمْ يُوحِ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَوَلَّاهُ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الْأَنْعَامِ: 121] وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَوَلَّى إِلَّا الْكُفَّارَ وَيَتَوَلَّوْنَهُ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ