انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ1. وَقَالَ النَّسَائِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ تَحْرِيمِ الدَّمِ مِنْ سُنَنِهِ "الْحُكْمُ فِي السَّحَرَةِ": أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَيْسَرَةَ الْمُنَقِّرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ, وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ, وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ"2. وَقَدْ أُطْلِقَ السِّحْرُ عَلَى مَا فِيهِ التَّخْيِيلُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ السِّحْرُ الْحَقِيقِيُّ, كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا" 3 يَعْنِي: لِتَضَمُّنِهِ التَّخْيِيلَ فَيُخَيِّلُ الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ, وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْمُفَاخَرَةِ وَالْخُصُومَاتِ بِالْبَاطِلِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَصْلُ الْقِصَّةِ فِي التَّمِيمِيَّيْنَ اللَّذَيْنِ تَفَاخَرَا عِنْدَهُ بِأَحْسَابِهِمَا وَطَعَنَ أَحَدُهُمَا فِي حَسَبِ الْآخَرِ وَنَسَبِهِ, وَكَذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ, وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْكُمُ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ, فَمَنْ حَكَمْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ" 4 أَوْ كَمَا قَالَ: وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ, وَأَمَّا الْبَيَانُ بِالْحَقِّ لِنُصْرَةِ الْحَقِّ فَهُوَ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَا اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا, وَهُوَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَقَدْ سَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ سِحْرًا, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سِحْرًا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ, هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5. وَالْعَضْهُ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ السِّحْرُ وَيَقُولُونَ لِلسَّاحِرِ: عَاضِهٌ, فَسَمَّى النَّمِيمَةَ سِحْرًا؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ المرء وزوجه وغيرها مِنَ الْمُتَحَابِّينَ, بَلْ هِيَ أَعْظَمُ فِي الْوِشَايَةِ لِأَنَّهَا