مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 264] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النِّسَاءِ: 38] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النِّسَاءِ: 142] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ النَّازِلَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ بِلَفْظِ الرِّيَاءِ, وَمِنْهَا مَا يُصَرِّحُ بِمَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [الْبَقَرَةِ: 14] وَالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الرِّيَاءِ الَّذِي هُوَ النِّفَاقُ الْأَكْبَرُ وَبَيْنَ الرِّيَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِرْكًا أَصْغَرَ خَفِيًّا هُوَ حَدِيثُ: "الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ" وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ, وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" 1، فَالنِّيَّةُ هِيَ الْفَرْقُ فِي الْعَمَلِ فِي تَعْيِينِهِ وَفِيمَا يُرَادُ بِهِ, وَقَدْ أُطْلِقَتِ النِّيَّةُ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِ الِابْتِغَاءِ وَبِلَفْظِ الْإِرَادَةِ, فَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ إِرَادَةُ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَسَلِمَ مِنَ الرِّيَاءِ فِي فِعْلِهِ وَكَانَ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ فَذَلِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْمَقْبُولُ, وَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ إِرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَذَلِكَ النِّفَاقُ الْأَكْبَرُ, سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ يُرِيدُ بِهِ جَاهًا وَرِئَاسَةً وَطَلَبَ دُنْيَا, وَمَنْ يُرِيدُ حَقْنَ دَمِهِ وَعِصْمَةَ مَالِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ, فَهَذَانَ ضِدَّانِ يُنَافِي أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا مَحَالَةَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آلِ عِمْرَانَ: 145] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ