بِاسْمِهِ وَجَعَلُوا لَهُ الْوُقُوفَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْقُرَى وَالضِّيَاعِ, وَلَهُ سَدَنَةٌ وَقُوَّامٌ وَحَجَبَةٌ يَأْتُونَ الْبَيْتَ وَيُصَلُّونَ فِيهِ لَهَا ثَلَاثَ كَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ, وَيَأْتِيهِ أَصْحَابُ الْعَاهَاتِ فَيَصُومُونَ لِذَلِكَ الصَّنَمِ وَيُصَلُّونَ وَيَدَعُونَ وَيَسْتَسْقُونَ بِهِ, وَهُمْ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَجَدُوا كُلُّهُمْ, وَإِذَا غَرَبَتْ وَإِذَا تَوَسَّطَتِ الْفَلَكَ. وَلِهَذَا يُقَارِفُهَا الشَّيْطَانُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ لِتَقَعَ عِبَادَتُهُمْ وَسُجُودُهُمْ لَهُ؛ وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَحَرِّي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قَطْعًا لِمُشَابِهَةِ الْكُفَّارِ ظَاهِرًا1, وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ2.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عِبَادَةَ الشَّمْسِ عَنْ أَهْلِ سَبَأٍ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ فِي عَهْدِ بَلْقِيسَ, كَمَا حَكَى قَوْلَ الْهُدْهُدِ حَيْثُ قَالَ: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النَّمْلِ: 24] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَهَدَاهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْإِسْلَامِ عَلَى يَدِ نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السلام- حيث قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النَّمْلِ: 44] .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "فَصْلٌ"3 وَطَائِفَةٌ أُخْرَى اتَّخَذَتْ لِلْقَمَرِ صَنَمًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَالْعِبَادَةَ وَإِلَيْهِ تَدْبِيرُ هَذَا الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ, وَمِنْ شَرِيعَةِ عُبَّادِهِ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا لَهُمْ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ عِجْلٍ وَيَجُرُّهُ أَرْبَعَةٌ, وَبِيَدِ الصَّنَمِ جَوْهَرَةٌ, وَيَعْبُدُونَهُ وَيَسْجُدُونَ لَهُ وَيَصُومُونَ لَهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, ثُمَّ يَأْتُونَ إِلَيْهِ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ, فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الْأَكْلِ أَخَذُوا فِي الرَّقْصِ وَالْغِنَاءِ وَأَصْوَاتِ الْمَعَازِفِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ أَصْنَامًا اتَّخَذُوهَا عَلَى صُوَرِ الْكَوَاكِبِ وَرُوحَانِيَّاتِهَا بِزَعْمِهِمْ, وَبَنَوْا لَهَا هَيَاكِلَ وَمُتَعَبَّدَاتٍ لِكُلِّ كَوْكَبٍ مِنْهَا هَيْكَلٌ يَخُصُّهُ وَصَنَمٌ يَخُصُّهُ وَعِبَادَةٌ تَخُصُّهُ, وَمَتَى أَرَدْتَ الْوُقُوفَ عَلَى هَذَا فَانْظُرْ فِي كِتَابِ "السِّرِّ الْمَكْتُومِ فِي مُخَاطَبَةِ النُّجُومِ" الْمَنْسُوبِ لِابْنِ خَطِيبِ الرَّيِّ4 تَعْرِفُ