قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَالْمُعْتَزِلَةُ تَقُولُ هَذَا وَتُحَرِّفُ نَصَّ التَّنْزِيلِ فِي ذَلِكَ, وَزَعَمُوا أَنَّ الرَّبَّ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّمْهِيدِ: وَعُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ, وَمَا خَالَفَهُمْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ يُحْتَجُّ بِهِ1.
ذِكْرُ أَقْوَالِ طَبَقَةٍ أُخْرَى فِي صِفَةِ الْعُلُوِّ:
عَنْ نُوحٍ الْجَامِعِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ جَهْمٌ, إِذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ تِرْمِذَ كَانَتْ تُجَالِسُ جَهْمًا فَدَخَلَتِ الْكُوفَةَ فَأَظُنُّنِي أَقَلُّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا عَشَرَةُ آلَافِ نَفْسٍ, فَقِيلَ لها: إن ههنا رجلا قد نَظَرَ فِي الْمَعْقُولِ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ, فَأْتِيهِ, فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: أَنْتَ الَّذِي تُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَسَائِلَ وَقَدْ تَرَكْتَ دِينَكَ, أَيْنَ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ؟ فَسَكَتَ عَنْهَا ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يُجِيبُهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا, وَقَدْ وَضَعَ كِتَابًا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ, فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} قَالَ: هُوَ كَمَا تَكْتُبُ إِلَى الرَّجُلِ أَنِّي مَعَكَ, وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنْهُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا نَفَى عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكَوْنِ فِي الْأَرْضِ. وَأَصَابَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَتَبِعَ مُطْلَقَ السَّمْعِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ2، قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ هُوَ كَمَا تَكْتُبُ إِلَى الرَّجُلِ إِلَخْ نَفْيَ الْحُلُولِ. وَإِلَّا فَرَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَوَاءٌ عِنْدَهُ الْغَيْبُ وَالشَّهَادَةُ وَالسِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ. وَعَنْ أَبِي مطيع بن الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيِّ, قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّنْ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ رَبِّي فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ, قَالَ: إِذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ, فَقَالَ: قَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ